إقرار أهداف التنمية المستدامة - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:55 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إقرار أهداف التنمية المستدامة

نشر فى : الأحد 16 أغسطس 2015 - 8:05 ص | آخر تحديث : الأحد 16 أغسطس 2015 - 8:05 ص

فى اليوم الثانى من أغسطس الحالى، وبعد أسبوع من المفاوضات الماراثونية والصراع السياسى، أقرت الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة بالتصفيق المعبر عن توافق الآراء وثيقة ختامية بعنوان «تحول العالم: أجندة العام 2030 للتنمية المستدامة»، وهى وثيقة تشمل أهداف التنمية المستدامة، أى الأهداف الإنمائية الجديدة للمجتمع الدولى، التى تمتد فترة تحقيقها حتى العام 2030. لم يلفت إقرار هذه الأهداف نظر الكثيرين، لا محليا ولا دوليا، فى أغلب الظن لأن منظمة الأمم المتحدة لم تروج لهذا الإقرار، وتحتفل به، باعتبار أن الأهداف مازالت من الناحية الرسمية مجرد مشروع وهى انتظرت لتعد العدة لاحتفال يليق بالمناسبة، عندما يجتمع رؤساء الدول والحكومات فى قمة مخصصة لغرض الاعتماد الرسمى لأجندة العام 2030 للتنمية المستدامة، تنعقد فى 25ــ27 سبتمبر المقبل، فى إطار الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.


***


قد يقول قائل، وما لنا وما لإقرار أهداف مجردة بل وما لاعتمادها، وهى ليست إلا تطلعات مشكوك فى تحققها، وهى حتى إن تحققت فإنها ستستغرق فى ذلك 15 عاما، فى وقت نواجه فيه فى مصر مشكلات حالة لا حصر لها فى الحياة اليومية للمواطنين. المشكلات لدينا فى تدنى مستويات المعيشة والفقر، وفى الغذاء، والصحة، والتعليم، والسكن والبيئة الحضرية، والتشغيل، والنظافة، والطاقة، والنقل، والمواصلات، وفى وضع المرأة فى المجتمع، فضلا عن التمتع الفعلى بالحريات الأساسية وحقوق الإنسان. قائل آخر قد يستنكر الاهتمام أصلا بأهداف يحددها المجتمع الدولى فى مجموعه وينتظر من الدول الاهتداء بها. هذا القائل الثانى قد يبدى غيرة على استقلال مصر بتحديد أهدافها لنفسها، ويبدى ضجرا بنفس فكرة المجتمع الدولى وبأى حق له على الدول الأعضاء فيه. الرد ممكن على وجهتى النظر هاتين.


الأهداف الإنمائية للألفية التى اعتمدتها الجمعية العامة فى دورة الألفية فى العام 2000 وينتهى العمل بها فى العام الحالى، كانت ثمانية، فاجأت فكرتها الأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء، وجرى التفاوض بشأنها خلال فترة لم تتجاوز الشهور الثلاثة. أهداف التنمية المستدامة الجديدة استغرقت عملية التفاوض بشأنها ما يقرب من السنوات الثلاث، وهى شملت مشاورات ومفاوضات على مستويات متعددة بدءا بالمستوى الوطنى مرورا بالإقليمى ووصولا للمستوى الدولى، وشاركت فيها إلى جانب الحكومات، المجتمعات المدنية الوطنية والدولية، والدوائر الاقتصادية، والمنظمات الدولية الحكومية. المفاوضات بشأن أهداف التنمية المستدامة كانت شاقة، وهى عكست كل المصاعب التى تواجه المفاوضات بين البلدان النامية، ومعها الصين من جانب، والبلدان المصنعة المتقدمة من جانب آخر، سواء تعلقت هذه المفاوضات بالتغير المناخى أو بتمويل التنمية، أو بتحرير التجارة العالمية أو غيرها من الموضوعات. عملية التفاوض الطويلة كانت بمثابة صك لأهداف التنمية الجديدة التى بلغت هذه المرة 17 هدفا يندرج تحت كل منها عدد من الغايات، يصل مجملها إلى 169 غاية منها ما يحدد المراد تحقيقه بحلول العام 2030، ومنها الغايات المرحلية مثل المستهدف تحقيقه ببلوغ العام 2020، ومنها ما يخص مسائل بعينها من تلك التى يرمى كل هدف إلى علاجها. لذلك، فإننا نجد أن الأهداف والغايات غطت كل الموضوعات التى تعانى منها مصر والمذكورة أعلاه. والواقع هو أن ديباجة الإعلان الذى يتصدر أجندة التنمية المستدامة، يشير فى أول سطوره إلى أنها خطة عمل من أجل البشر، والكوكب، والرخاء، ثم ينص على أنه ينتظر أن تشجع الأهداف والغايات على العمل خلال الخمسة عشر عاما القادمة فى مجالات ذات أهمية حيوية للبشر وللكوكب. بعبارة أخرى، الأجندة والأهداف والغايات هى إطار للسياسات التى تتعهد الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة بصياغتها وتنفيذها من أجل مصلحة الناس الذين يعيشون فيها، ومن أجل الإبقاء على حيوية كوكب الأرض الذى يعيشون عليه وسيخلفهم فيه بشر آخرون. أهداف التنمية المستدامة وهى تتعرض للمشكلات المشتركة بين الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، تصدت إذن وبشكل يكاد يكون مباشرا للمشكلات التى تواجهها مصر.


أما عن وجهة النظر الثانية الغيورة على ألا تهتدى كل دولة، ومنها مصر، إلا بما تريده هى لنفسها، فيمكن إيراد ردود مختلفة عليها. لقد شاركت مصر، اعتبارا من أول المستويات وهو المشاورات على المستوى الوطنى المصرى، فى عملية التفاوض الطويلة، وبالتالى فإن أهداف التنمية المستدامة ليست مفروضة عليها كما أنها ليست مفروضة على أى دولة أخرى. المشقة والمصاعب التى مرت من خلالها صياغة الأهداف والغايات تكشف عن دفاع كل الدول الأعضاء عن مصالحها وعن تحليلاتها للمشكلات المشتركة للبشرية وراءها لحلولها، وهى بذلك تمنح أهداف التنمية المستدامة شرعيتها. وأجندة التنمية المستدامة تترك للسياسات واستراتيجيات التنمية الوطنية أن تصوغ التدابير المؤدية لتحقيق الأهداف والغايات، مع أخذ ظروف كل دولة فى الاعتبار. ثم إنه يمكن القول أنه على الرغم من أن الأهداف تسمى أهداف التنمية المستدامة فهى لا تخص الدول النامية، ومنها مصر، وحدها بل هى تعنى الدول المصنعة المتقدمة كذلك. خذ مثلا الهدف الثامن الذى يتعلق بالنمو الاقتصادى والتشغيل. غايتان تندرجان تحت هذا الهدف تنصان على الوصول إلى التشغيل الكامل والمنتج بحلول العام 2030، وعلى الحد الملموس من نسبة الشباب العاطل عن العمل أو غير الملتحق بالتعليم أو التدريب. البطالة موجودة بمعدلات متفاوتة فى كل البلدان المتقدمة تقريبا، والبطالة بين الشباب تصل فى إيطاليا إلى 40% وهى تتخطى الـ50% فى إسبانيا، وتكاد تصل إلى 60% فى اليونان لمجرد ذكر أمثلة هذه الدول المتقدمة الثلاث. فى إطار آلية المتابعة التى تنص عليها أجندة التنمية المستدامة، سيكون على كل من هذه الدول أن يقدم كشف حساب عن تحقيقه للغايات المبتغاة. آلية التابعة ليست للدول النامية وحدها.


***


المؤتمرات العالمية التى انعقدت فى التسعينات من القرن العشرين وامتدت متابعتها إلى القرن الحالى، وضعت أطرا عامة على المستوى الدولى لسياسات البيئة والسكان وحقوق الإنسان وللسياسات الاجتماعية، وهى الأطر التى نشأت عنها مثلا وزارات البيئة أو المجالس الوطنية لحقوق الإنسان. أجندة التنمية المستدامة اتخذت خطوة إضافية، إذ يمكنك أن ترى فيها توحيدا للإطار العام للسياسات العامة فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وهى بذلك تكشف من جديد عن تداخل بين كل من الحكم المستند إلى حكومة ذات سلطة مركزية على المستوى الوطنى والحوكمة على المستوى العالمى، والمقصود بالحوكمة هى القواعد والترتيبات الرسمية وغير الرسمية لإدارة شئون العالم فى غيبة حكومة مركزية يفترض فيها أن تنفذ إرادتها الممثلة فى القانون والملتزمة به. جدير بالذكر، أن الأجندة تعيد تأكيد أهمية الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية ذات الصلة وتشدد على مسئولية الدول، وفقا لميثاق الأمم المتحدة ذاته، عن احترام حقوق الإنسان، وحمايتها والترويج لها بدون تمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو الديانة، أو الرأى السياسى، أو غيرها من الأسباب.


من نافلة القول، أن أطراف أى عملية للتفاوض لا تحقق كل مقاصدها، وأن نجاح التفاوض يتوقف على تحقيق كل طرف لقدر مرضٍ من مقاصده فى ضوء توزيع القوى المادية والمعنوية السائد. الدول النامية حققت هذا القدر المرضى، وهى نجحت نجاحا ملموسا فى عملية التفاوض بشأن أجندة التنمية المستدامة وصل على مستوى العلاقات الدولية إلى النص فى الهدف العاشر على تخفيض انعدام المساواة بين الدول، وعلى تعزيز تمثيل الدول النامية فى عمليات اتخاذ القرار فى المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية، بغية تعزيز شرعية هذه المؤسسات، وإلى النص فى واحدة من غايات الهدف السادس عشر، على توسيع مشاركة الدول النامية فى مؤسسات الحوكمة العالمية وتعزيزها.


فى مصر، فلنجعل أهداف التنمية المستدامة أهدافنا، ولنحشد جهود مجتمعنا التعددى والمركب لتحقيقها. بذلك نحقق مصالحنا نحن المصريين ونشارك فى تحقيق مصالح البشر أجمعين.

 

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات