هل سيكون من المفاجئ أن تطلب إسرائيل من بعض العرب الثمن بسبب ما فعلته من إضعاف وتكسير وإرباك لحماس وحزب الله وإسقاط بشار الأسد، وضرب كل القوى التى كانت تقول إنها معارضة لإسرائيل؟!
نظام الأسد كان ديكتاتوريًا متسلطًا وهو أمر لا شك فيه، لكنه كان معارضًا لإسرائيل، حتى لو كانت المعارضة لفظية وليست عملية. والجماعات والميليشيات التى حلت محله متطرفة وإرهابية وربما تكون أسوأ منه.
لكن اليوم أتحدث عن الدور الإسرائيلى فى إسقاط بشار الأسد.
لا أتحدث عن هذا الدور فى الأسابيع الأخيرة، فنحن نعلم أن تركيا لعبت الدور الأبرز والظاهر؛ لأنها الداعم الأول والأساسى والمعلن «لهيئة تحرير الشام» وبقية الميليشيات والفصائل المتطرفة التى قادت عملية إسقاط الأسد.
لكن أتحدث عن الدور الإسرائيلى على مدى سنوات وعقود خصوصًا منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد بشار الأسد فى مارس ٢٠١١.
الخطأ الأكبر الذى حدث وقتها أن قوى متطرفة وأجهزة مخابرات إقليمية ودولية ساهمت فى عسكرة هذه الانتفاضة، مما حولها إلى صراع وحرب أهلية ضارية منذ هذا الوقت أدت فى النهاية إلى إيصال سوريا إلى هذه الحالة.
هذه العسكرة استلزمت تدخل الأتراك لصالح الميليشيات وتدخل حزب الله وإيران وروسيا لصالح النظام، فى حين دخلت أمريكا بحجة محاربة داعش ودعم الأكراد، واستمرت من وقتها حتى الآن. فى ظل هذا استغلت إسرائيل هذه الفوضى وفرضت واقعًا يتمثل فى توجيه ضربات بصورة شبه منتظمة للعديد من الأهداف العسكرية والاستراتيجية السورية.
هذه الضربات كانت تتم كل شهرين أو ثلاثة ثم تحولت إلى ضربات شهرية، وبعدها أسبوعية، ثم صارت يومية، إلى أن وصلت إلى شن أكثر من ٥٠٠ غارة فى يوم واحد بعد لحظات من إعلان فرار بشار الأسد وسيطرة الميليشيات المسلحة على السلطة.
كانت الحجة الإسرائيلية فى البداية هى استهداف الأسلحة والمعدات الإيرانية حتى لا تتحول سوريا إلى قاعدة إيرانية متقدمة، ثم صارت الضربات تستهدف مواقع وقيادات حزب الله التى دخلت سوريا لإنقاذ نظام الأسد من السقوط ابتداءً من عام ٢٠١٥.
ثم تجرأت إسرائيل أكثر على تنفيذ عمليات اغتيال ضد غالبية كوادر حزب الله فى سوريا خصوصًا اغتيال القيادى عماد مغنية، وكانت قمة الجرأة قصف القنصلية الإيرانية فى دمشق فى أول أبريل الماضى خلال اجتماع ضم قادة فى الحرس الثورى الإيرانى مما أدى إلى تدمير المكان ومقتل العديد من الحاضرين خصوصًا محمد رضا زاهدى قائد الحرس الثورى الإيرانى فى دمشق.
ومع الضربات الأخيرة التى أعقبت سقوط الأسد، كانت إسرائيل تعلن أنها دمرت أكثر من ٨٠٪ من القدرات العسكرية السورية خصوصًا المقاتلات والمروحيات المقاتلة والصواريخ والسفن والدبابات ومستودعات الأسلحة والذخيرة والقواعد العسكرية والموانئ والمطارات العسكرية والمدنية بحيث إن سوريا كما قال المراسل العسكرى للإذاعة الإسرائيلية لم يعد لدى قواتها المسلحة سوى بنادق إم ١٦ أو الكلاشينكوف وهى تحتاج __ــ كما يضيف ــ أن تبدأ من الصفر لكى تبنى قوتها العسكرية من جديد.
إذن تمكنت إسرائيل من استهداف منظم للقدرات العسكرية السورية على مدى سنوات وبالتالى، لم يعد النظام قادرًا على التصدى للاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، ولم نسمع عن إسقاطه لأى مقاتلة إسرائيلية معتدية، رغم أن لديه أنظمة دفاع جوى كانت موجودة حتى لحظة سقوطه إضافة إلى الصواريخ.
بهذا المنطق قد نسمع قريبًا أن إسرائيل ستقول لكل القوى والأنظمة والحكومات التى كانت تعارض سياسة بشار الأسد: «لقد لعبنا دورًا كبيرًا فى إضعاف بشار ونظامه، عبر الاستهداف المنظمة لقدراته العسكرية والأمنية، وبالتالى فإن سقوطه لم يكن فقط بواسطة الميليشيات والتنظيمات والجماعات المسلحة، أو حتى بالمساعدة التركية».
ستقول إسرائيل أيضًا: لولا ضرباتنا ما ضعف نظام بشار وما سقط، وبالتالى يحق لنا أن نطلب ثمن ذلك، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
حينما تتضح مجمل وكامل التفاصيل والحقائق التى سبقت سقوط بشار الأسد، قد نسمع عن معلومات وأسرار يشيب لها الولدان!.