هذا اختصار حوارات ونقاشات طويلة ومتعددة مع أصدقاء من المهتمين بالاقتصاد والمال والأزمة المالية العالمية، التى يصفها العالم بأنها كارثة غير مسبوقة.. فمن حسن حظنا أن مصر دولة محدودة الدخل أو «مهدودة الدخل».. لا تملك فائضا ماليا يسمح لها بترف الاستثمار فى الخارج، بجانب نظامنا المالى الذى يخضع لرقابة ومعايير صارمة..
ومن حسن الحظ أن الحكومة ـ للإنصاف ـ نجحت فى السنوات الماضية، فى تحقيق طفرة فى النمو تعدت 7% بقليل، وأنه نتيجة لذلك، ومع الانعكاسات السلبية الاقتصادية للأزمة المالية، وهبوط مستويات النمو فى العالم الآخر، بمعدلات تتراوح بين نمو تحت الصفر، أو بمعدلات هبوط وصلت إلى نسبة 30% ليكون معدل النمو فى الصين مقدرا بـ7 أو 6% بدلا من 12%، وفى دول أوروبية إلى 1 أو 2% فإن انخفاض معدل النمو فى مصر إلى 4% يجعل الاقتصاد المصرى رابعا أو خامسا على العالم من ناحية معدلات النمو فى العام الحالى!
إننى أكتب هذا الكلام اليوم لعدة أسباب؛
أولا: إن الدولة منذ حكومة مينا موحد القطرين، تخشى الحسد حين تسير أمورها الاقتصادية بصورة طيبة، وتخفى الحقائق أحيانا حين تسوء الأحوال، ولو بسبب كارثة طبيعية أو أزمة عالمية لا تسأل عنها.. وهى تفعل ذلك كثيرا، فإذا وقع زلزال فى الصين، فإن الحكومة تسارع بالتأكيد: «كل المصريين فى شنغهاى بخير». وقد لا يكون هناك مصرى واحد فى شنغهاى!
ثانيا: إن رغبتى فى أن أفهم ما يجرى كانت وراء نقاشات وحوارات طويلة مع أصدقاء وخبراء وزملاء، وهو حديث الساعة والدقيقة على أى حال فى ربوع مصر، فلا تمر أمام «ترابيزة» فى فرح أو فى ناد إلا والاقتصاد والأزمة المالية حديث الناس، فنحن خبراء فى كل شىء من السياسة والاقتصاد إلى الطاقة النووية والفيمتو ثانية.. وقد خرجت من تلك الحوارات بأن نتيجة الأزمة العالمية يمكن أن تنتهى بالنسبة لنا بالتعادل بين الخسائر والأرباح، أو بأقل الخسائر، وهو ما أطرحه هنا بمنطق بسيط، حتى لو كان منطق شخص مثلى لا يفهم فى الاقتصاد، لكنه يسمع ويرى أرقاما وأحوالا تستحق ألف سؤال!
ثالثا: إن الحكومة عليها أن تغير خطابها.. فإذا كان نصف الإعلام يفتش عن أخطاء الحكومة كما لو كان يبحث عن كنز، فإن الحكومة تتعامل مع مواطنيها بطريقة المالك والمستأجر.. هم ملاك ونحن مستأجرون.. وهم يتصورون أنه ليس من حق المستأجر، أن يسأل المالك عن ماله!
رابعا: نحن أمام أزمة مالية عالمية غير مسبوقة وتوصف بأنها كارثة، ولحسن الحظ أن نظامنا البنكى يخضع للرقابة الصارمة، وأننا كدولة أفقر من أن نتعامل بمليارات الدولارات الفائضة مع النظام المالى العالمى. إلا أن للأزمة آثارها الاقتصادية السلبية السريعة. وهى واضحة ومحددة، بنقص إيرادات قناة السويس، ونقص تحويلات المصريين فى الخارج، ونقص إيرادات السياحة. لكن فى المقابل تبدو فى الأفق نواحٍ إيجابية للأزمة المالية العالمية خاصة بمصر دون غيرها.. وربما لا تكون واضحة، ومنها انخفاض فاتورة الدعم فى الموازنة.. وهى تقدر بمبلغ 95 مليار جنيه بأسعار يونيو 2008..
حين كان سعر برميل البترول يقترب من 150 دولارا وقد أصبح 50 دولارا وبحسبة بسيطة، يمكن أن يقل دعم البترول إلى النصف، فبدلا من 63 مليارا يصبح 30 مليارا.. ونتيجة لانخفاض الأسعار العالمية، ومنها القمح مثلا الذى انخفض بنسبة 400% فإن الوفر فى فاتورة السلع الأساسية يمكن أن يقترب من 10 مليارات جنيه، وهذا ربما يوازن بين نقص الإيرادات الدولارية؛ ولذلك رفعت الحكومة من خطة مواجهة الأزمة المالية بمقدار 15 مليار جنيه.. فهل هذا التفسير سليم؟!
هل صحيح أن هبوط الأسعار العالمية بنسب هائلة سيوازن بين فاتورة السلع الأساسية التى نستوردها وبين فاتورة نقص الواردات الدولارية السريعة والمحددة فى دخل قناة السويس والبترول والسياحة؟ هل حقا أن هبوط حركة السياحة فى العالم بنسبة 30% يمكن أن يحقق لنا فائدة ورواجا سياحيا مقابلا، وذلك بجذب مليون سائح مثلا من 15 مليون سائح لن يذهبوا إلى إسبانيا، ومليون سائح من 80 مليونا لن يذهبوا إلى إيطاليا وفرنسا.. وبالتالى نستطيع زيادة عدد السائحين على الرغم من الأزمة؟!
فى تفسير لصديق يتابع حركة السياحة العالمية، قال إن المواطن الإنجليزى أو السويسرى لو حصل على إجازة من عمله لمدة أسبوعين، فإنه إذا زار مصر أسبوعا سيوفر مبلغا من المال أكثر مما يوفره لو مكث هذا الأسبوع فى بلاده لفارق الأسعار وتكلفة المعيشة.. فهل هذا تفسير آخر سليم؟!
هل أيضا أن توقف سوق العقارات الفاخرة يعنى حتمية تحرك الدولة لإنعاش سوق العقارات المتوسطة بمنح الشركات الأراضى والمرافق بأسعار ملائمة حتى توجه تلك الشركات كل حركتها إلى الاستثمار فى تلك السوق، لتمارس دورها كقاطرة مهمة فى قطار التنمية؟!
اختصارا مرة أخرى: أنقذنا فقرنا ودخلنا المحدود من تلك الأزمة التى عصفت بالعالم وبأغنياء العالم.. ونريد من حكومتنا أن ترد علينا وتشرح لنا بالأرقام وببساطة الكثير من جوانب الأزمة السلبية وبعض إيجابياتها إن كانت هناك إيجابيات..؟!
والحمد لله أننا فقراء.. وإلا كنا أفلسنا!