وهو يستكمل يومه المائة فى قصر الاتحادية فإن أسئلته الصعبة تلح عليه.
الأسئلة الصعبة من طبيعة مراحل التحول بآفاقها وتعثراتها.
أول تحدياته فى المشروعات الكبرى والحياة اليومية يلخصه سؤال حساس:
لماذا حققت شهادات استثمار قناة السويس أهدافها فى ثمانية أيام بينما تعثر صندوق «تحيا مصر» رغم نداءاته المتكررة منذ أول يوم تولى فيه الرئاسة؟
أية إجابة ممكنة تلحظ أن هناك فارقا جوهريا بين الحالتين فى وضوح الفكرة أمام رأيها العام.
الحالة الأولى مقنعة وملهمة وعملية، الدافع الوطنى للمساهمة فى بناء قناة السويس الثانية بأموال المصريين وحدهم حاضر فى مشهد الحشود أمام البنوك العامة والثقة فى الدولة وقدرتها على التعافى ماثل فى خلفيته والحافز الاستثمارى لا يمكن استبعاده.
أما الحالة الثانية فإنها أقرب إلى رهانات معلقة على نوايا وخطى تائهة فى الضباب على رجال أعمال لم يقابلوا باطمئنان «خطاب الطمأنة» الذى تبناه.
هناك شىء من التوجس المكتوم فى خطواته المقبلة وشىء آخر من التعود المستحكم أن يأخذوا من الدولة كل شىء ولا يعطونها أى شىء.
فى غموض الفكرة تفسير آخر للإحجام عن التبرع بالقدر الذى توقعه والناس العاديون اعتبروا الصندوق يخص رجال الأعمال وحدهم والإعلام تعامل على هذا النحو.
كسب رهانا وتعثر آخر والرهانات تُكسب بقدر ما تقنع.
هنا جوهر السؤال: على من يراهن.. وإلى من ينحاز؟
بحسب ما هو متوافر من معلومات فإنه ما يزال مقتنعا بالصندوق وفكرته أن توضع أموال تحت تصرفه خارج موازنة الدولة المنهكة تمكنه من مواجهة أية مشكلات تخص مصالح المواطنين ومستويات الخدمة العامة.
الفكرة تعبر عن رغبة جادة فى مواجهة مشكلات مستعصية لكنها ذهبت إلى العنوان الخطأ.
هذا يستدعى تصحيحا عاجلا فى صياغة الخطاب وعنوانه، أن يوجه إلى أصحابه الحقيقيين باللغة التى يفهمونها أما حقوق الدولة لدى أية أطراف وجماعات حصلت على ثروات بغير حق فهذه مسألة تحكمها القواعد القانونية، لا مهادنة مع فساد ولا تردد فى فرض ضرائب تصاعدية وضرائب أخرى على الثروة.
هنا ثانى أسئلته الصعبة: أين العدالة الاجتماعية؟
بتقديره فإن غيابها هو الذى أسقط الرئيس الأسبق «حسنى مبارك» قبل أى سبب آخر.
لا أحد يطالبه بمعجزات، فالأوضاع الاقتصادية مازالت أمامها أشواط أخرى للتعافى لكن ما هو مطلوب أن تكون خياراته فى موضعها ورؤيته على قدر مسئوليته.
ما الموقف من أصحاب الثروات الذين حصلوا عليها بغير حق وطبيعة الصلة المحتملة بين السلطة والثروة؟
ثم: من يتحمل تكاليف الإصلاح الاقتصادى الضرورى؟
عندما تكون الحقائق واضحة أمام الناس والسياسات مقنعة والعدل سيد الموقف فإن الحوار العام يجنب البلد أية مزالق محتملة.
من أخطر المزالق تصور أن جرعة ثانية من رفع الدعم يمكن أن تمر بلا تكاليف اجتماعية وأمنية على النحو الذى جرى فى الأولى.
قدره أن يتقدم بقدر همته ويسد الفجوات خلفه بقدر ما يستطيع.
فى بنية نظامه مزالق خطيرة، لا المؤسسة النيابية استكملت ولا الفريق الرئاسى أعلن ولا الحياة السياسية على عافيتها ولا شىء يدعو إلى أننا بصدد بناء دولة ديمقراطية حديثة وعادلة.
الثقة فى الإنجاز الممكن لا تسوغ الصمت المراوغ على ما يتعرض له المجال العام من تضييق.
وضع حالة تناقض بين الحرية والأمن يقوض الأولى ويكشف الثانى.
قضية الأمن حاسمة فى مواجهة العنف والإرهاب لكن التغول على حقوق المواطنين وانتهاك الحريات العامة ينزع عنه ظهيره الشعبى ويعود بالبلد كله إلى الأوضاع التى استدعت ثورتين.
هذه كارثة كاملة وتبعاتها أخطر من أن تحتمل.
هناك ضرورات لإنهاء الأزمة المتفاقمة بين الدولة وشبابها وتعديل قانون التظاهر بما يتفق مع النص الدستورى وملاحظات المجلس القومى لحقوق الإنسان وضرورات ثانية لحسم قانون مكافحة التعذيب بما يتفق مع الاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها مصر ووفق النصوص الدستورية نفسها وضرورات ثالثة لإجراء حوار واسع حول قانون الجمعيات والمنظمات الأهلية بما يضمن فى الوقت نفسه الوفاء بأدوارها وحق الدولة فى رقابة مصادر تمويلها.
القوانين الثلاثة صداع فى رأس السياسة الخارجية المصرية.
الخيار الأفضل حسمها على أسس دستورية أمام الرأى العام، أن تكون هناك قواعد تحكم لا سياسات تكمم، والخيار الأسوأ التلكؤ بلا حسم وأن توضع الملفات كلها على مائدة الضغوطات الخارجية.
التلكؤ فى الحسم يغذى الضجر السياسى مما هو قائم والذى يتسع باضطراد نتيجة الغياب الفادح للسياسة.
الأخطر أن كتلة التململ مرشحة بالوقت أن تقترب من كتلة النار.
والمعنى توسيع المجال العام من متطلبات الالتزام بالدستور لكنه أيضا من ضمانات سلامة الأمن.
الإنسان الحر أكبر ضمانة للوطن الحر.
احترام الشرعية مسألة لازمة غير أن وصف ثورة يناير بـ«المؤامرة» يضرب فى جذرها ويفضى إلى اضطراب سياسى محتمل.
وتأجيل الانتخابات النيابية بلا مبرر يضع النظام الذى لم يستكمل مؤسساته بعد أمام أزمة شرعية مستحكمة تطعن فى التزامه بخريطة المستقبل والدستور معا.
الأسئلة الصعبة تدخل بصور مختلفة فى قضية الشرعية.
فى كل أزمة مخاطر محدقة ويتوقف على إدارتها تبعات على المستقبل المصرى.
من أبسط قضية تموين إلى الحرب على الإرهاب فإن تحصين بلد منهك يتعافى بالكاد مسألة حياة أو موت.
أمام تحالف دولى تقودها الولايات المتحدة بلا استراتيجية متماسكة تحت لافتة الحرب على «داعش» فإن أحدا ليس بوسعه أن يجيب مطمئنا على سؤال ما بعد الحرب.
الاحتمالات كلها مفتوحة على فوهات براكين النيران ومصير المنطقة التى ننتمى إليها بين قوسين كبيرين.
التفكير الأمريكى يختصر الحرب فى إسناد جوى بطاقة نيران كبيرة لميليشيات على الأرض، القصف يخلى المكان لتقدم آمن لقوات غير جاهزة تتنازعها حسابات متعارضة.
لا يوجد جيش بأى معنى حديث يدمج المكونات العراقية فى بنيته و«البشمركة» الكردية تفتقد الكفاءة القتالية اللازمة لمواجهة تنظيم أفضل تسليحا وتدريبا والميليشيات المذهبية والعشائرية الأخرى تفتقد الكفاءة نفسها بينما الحسابات الإقليمية تتضارب بفداحة.
بالحسابات الأمريكية فالحرب سوف تطول لثلاث سنوات وصدام الميليشيات من أرجح السيناريوهات بعدها.
استدعاء الجنرال «جون آلن» من التقاعد لقيادة العمليات والتنسيق بين القوات إشارة إلى طبيعة الحرب، فقد قاد القوات الأمريكية فى أفغانستان والعراق وخبرته الأساسية إنشاء الميليشيات كـ«الصحوات» العراقية وإدارتها.
المعنى فى ذلك كله أن المنطقة مقبلة على موجة جديدة من الفوضى المسلحة قد تنتقل إلى مصر.
«داعش» ظاهرتها متوطنة والمواجهة بطبيعتها طويلة ومكلفة والظاهرة أخطر من التنظيم.
وهو يتأهب لمغادرة القاهرة إلى نيويورك فإن سؤال الحرب على «داعش» سوف يحتل الحيز الأكبر من مداولاته على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة غير أن سؤالا آخر سوف يلاحقه عن الملفات الداخلية المعلقة.
كلما اتسقت الإجابات السياسية مع الشرعية الدستورية وانفتحت الرؤية على القوى الحية فى مجتمعها فإننا نقترب من تأسيس دولة ممانعة تقدر على الإرهاب وتصنع بلدا حديثا نتطلع إليه.