نحن فى مأزق له حل واحد سليم فى تقديرى، وله عدة حلول غير سليمة.
ما هو المأزق؟
اكتشفت إدارة البلاد أنها وضعت ثقة مبالغا فيها بشأن قدرة الناخب المصرى على أن يختار بشكل جيد ممثليه فى البرلمان، و/أو أن أعضاء البرلمان قد لا يكونون أمناء على مصلحة الوطن أثناء اختيارهم لأعضاء الجمعية التأسيسية للدستور، و/أو أن الشعب المصرى الذى سيعود إليه مشروع الدستور كى يقبله أو يرفضه فى استفتاء شعبى لاحق على اقتراح قد يكون قابلا للاستغفال.
أتحفظ على كل المقدمات السابقة. ولكن سأتصرف فى هذا المقال كما لو أنها صحيحة. إذن ما العمل؟
بفرض تطابق التخوفات السابقة مع الواقع، فهناك حلان مطروحان كلاهما خطأ. الحل الأول أن تترك الأمور بلا ضوابط كما هو الآن إلا فى حدود ما استقر فى ضمير المصريين ومعهم ممثلوهم فى البرلمان من مبادىء دستورية عامة يمكن تلخيصها فى الأربع والعشرين مادة من الإعلان الدستورى وجسدته عدة وثائق تحدثت عن مبادىء عامة لا بد أن تؤخذ فى الاعتبار مثل وثيقة الأزهر ووثيقة دار الشروق ومؤتمر مصر الأول. وهو حل يعتمد على حسن النوايا فقط، وهذا لا يكفى فى عالم السياسة.
الحل الثانى، هو أن يصدر الإعلان الدستورى المقترح من مجلس الوزراء والمجلس الأعلى بما فيهما من مادتين تعطيان المجلس العسكرى حقا لم يكن أصلا موجودا بصيغته تلك فى أى من دساتير مصر السابقة. وإن جرى الأمر على ما هو عليه، فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيثبت لنا أنه تلميذ نجيب للرئيس مبارك فى أخطائه. لأنهم ببساطة يوحدون الجميع ضدهم إلا مجموعة من الأشخاص والأحزاب الكارتونية الذين لا ينفعون صديقا ولا يضرون عدوًا، إن أرادوا.
طيب ماذا لو صدر الإعلان بدون هاتين المادتين أو بصيغة مخففة. الخلل سيكون قائما على وجه آخر. وهو أن من لا يملك، قرر ما لا يستطيع أن ينفِذ. ذلك أن أى جهة منتخبة لها شرعية (ومن ثم حق فى اتخاذ القرار) حتى بالتعارض مع أى جهة غير منتخبة حتى لو كان المجلس العسكرى ومجلس الوزراء. ولا يمكن الادعاء بأن المجلس العسكرى حين أصدر الإعلان الدستورى أضاف له مواد لم يتم الاستفتاء عليها. ذلك أن جميع هذه المواد كان قد تم الاستفتاء عليها من قبل كجزء من دساتير سابقة.
إذن ما الحل الصحيح؟
على المجلس العسكرى أن يستغل الانتخابات القادمة فى أن يطرح هذه المواد الأساسية للاستفتاء، وأن يعود الأمر إلى الشعب مصدر السلطات؛ وإلا فأنا شخصيا لا أعرف ما حجية هذه المواد الضابطة إلا أنها مضيعة للوقت وللطاقة وإلزامها مشكوك فيه، والدليل ما سنشهده من احتجاجات. ولو فرض الإعلان الدستورى بهذه الطريقة تحقيقا لخير محتمل، فما الذى سيمنع أن يفرض غيره فى المستقبل تحقيقا لما هو شر محقق. أنا لست ضد المبادئ الأساسية، ولكن ضد أن تصدر من غير ذى صفة.