محنة المثقف المحلى - سامح فوزي - بوابة الشروق
الخميس 20 فبراير 2025 9:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

محنة المثقف المحلى

نشر فى : الثلاثاء 18 فبراير 2025 - 6:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 فبراير 2025 - 6:25 م

 

فى توترات الشرق الأوسط الراهنة، والذي  يلوح فى سمائه غيوم كثيفة، لا نجد صوتًا مؤثرًا للمثقف العربى عامة، والمصرى خاصة على الصعيد الدولى. ويكفى أن نتحدث عن السياق المصرى، الذى يهمنا فى المقام الأول، ويشغلنا فى الحاضر والمستقبل. ويظل السؤال: كيف يمكن التواصل مع النخب المثقفة والأكاديمية وكبار الأقلام التى تشكل الرأى العام العالمى المحيط بتحولات السياسة فى واشنطن، وغيرها من عواصم العالم، والتغيرات التى تعصف بقواعد اللعبة العالمية، والتى فى سبيلها إلى الازدياد والتفاقم؟

أحد أبعاد محنة الثقافة المصرية هو غياب المثقف المؤثر عالميًا، وانكفاء الغالبية العظمى من المثقفين على الإنتاج المحلى، أو على أحسن تقدير الحضور العربى، دون أن يكون لذلك أى امتداد دولى. ويؤدى ذلك فى لحظات الأزمات والتحديات إلى ضعف الصوت المؤثر، وغياب التواصل مع المثقفين على مستوى العالم، وحشد رأى عام دولى داعم للقضايا الوطنية، وبعض ممن تتوافر فيهم المؤهلات والإمكانات العلمية والفكرية للحضور الخارجى، تحكم مواقفهم توازنات معقدة، أبرزها مجاراة الموقف الخارجى، وعدم الرغبة فى خسارة مكانة أو مكسب ما عن طريق الدفاع عن موقف مختلف.

تتعدد الأسباب وراء هذه الحالة، منها ضعف قدرات ومؤهلات قطاع من المثقفين على التواصل الخارجى، فضلًا عن التأثير الداخلى، فهم لا يعرفون لغة العالم، وليس لهم إنجاز حقيقى محل اعتبار فى الخارج، ويعيدون تكرار مواقف سابقة دون وعى أو تفكير نقدى، وبالتالى، ينشغلون بقضايا الداخل، وينغمسون فى شئونه وشجونه، وأحيانًا خلافاته ومعاركه، فيما يشبه المونولوج أو الحديث مع الذات، أكثر من الحديث مع الآخر. وكثير من الذين انغمسوا فى المحلية، وأوغلوا فيها، انفصلوا عن واقعهم المحلى، فلا هم يتبنون قضايا الجماهير، ولا يتحدثون بلغة تقربهم منها، واكتفوا بحوار المثقفين الضيق والمغلق، والذى لا يفهمه ولا يتساجل حوله سوى أصحابه وأصدقائهم.

ومن ناحية أخرى، حتى تكون مؤثرًا فى العالم، ينبغى أن تدرك قضاياه، وتتابع تطوراته المتلاحقة، وتتحدث لغته، وهو ما لا يحدث فى الجانب الأكبر من التفاعلات الثقافية لدينا، خاصة فى ضوء ضعف حركة الترجمة، وعدم القدرة على المتابعة والقراءة والكتابة بلغة أجنبية. أتحدث هنا عن الثقافة بالمعنى الواسع التى تضم الإنتاج الأدبى والعلمى والفنى. ونستطيع أن نتبين ذلك من معرفة تراجع إسهام المثقفين المصريين فى الدراسات والمقالات العلمية التى تنشر فى دوريات علمية لها مكانتها الدولية، وعدد الكتاب الذى يكتبون فى الصحافة العالمية، أو يجرى استضافتهم فى قنوات تلفزيونية مؤثرة على مستوى العالم، أو لديهم كتب أو سرديات أحدثت سجالًا فى دوائر عالمية، أو يشاركون فى أحداث ثقافية دولية مهمة بوصفهم متحدثين ومشاركين لهم ثقل، أو تأثير.

ويكفى أن نعود بالذاكرة عدة عقود إلى الوراء  لنرى شخصيات كان لها ثقل دولى، لم تعد موجودة الآن، ولم يظهر بديل لها يحظى بنفس المكانة أو التأثير، والسبب هو ضعف التعليم وانكماش الثقافة وغياب تقدير المواهب، وإفراط المؤسسات الثقافية فى المحلية، وتراجع معدلات الشجاعة فى طرح الأفكار، وتزايد المحرمات الثقافية والدينية والسياسية، والعزوف عن ممارسة النقد، وانكفاء المثقف على مصالحه الاقتصادية المباشرة.

القضية مهمة، سواء أطلقنا عليها «القوة الناعمة» أو أى مصطلح آخر، لأننا بحاجة إلى أن يكون لدينا الأديب العالمى، والمخترع العالمى، والفنان العالمى، والعالم العالمى.. إلخ، بحيث لا يعيش هؤلاء فى الخارج، ويتأثرون بحسابات الخارج، بل يكونون جزءًا من البناء الثقافى المصرى، يحملون قضاياه، ويعبرون عن تطلعاته.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات