لا أعرف ما الذى جرى لى..؟ أقرأ يوميا غالبية الصحف من الصفحة الأولى وحتى الأخيرة مرورا بصفحة الوفيات.. وأجد نفسى وفى تلقائية شديدة لا أتوقف أمام أى خبر أو مقال عن القضية الفلسطينية، بصراحة أبتعد مذعورا وساخطا ومقبوضا، حالة من الرفض التلقائى العنيف لا أعرف لها سببا، هل لأن القضية الفلسطينية الأصلية والأصيلة وهى تحرير الأرض وعودة الحقوق، قد ضاعت وانتهت وتبخرت، وأن الصراع الفلسطينى الإسرائيلى لم يعد الطريق إليه هو النضال والكفاح والفداء بالدم والروح، وأن العدو الصهيونى بات هو المسيطر وهو الجبل الذى لا تهزه الرياح بعد انقسام «الأبوات» فى غزة والضفة وهذا العداء الدامى بين فريق أبومازن وأبوطارق وأبو أى حاجة فى الضفة.. ومع هنية وأبومصعب وحتى أبولهب فى قطاع غزة.. أصبح الفلسطينى يسجن الفلسطينى هنا وهناك.. والفلسطينى يقتل الفلسطينى هنا وهناك.. والعداء أصبح فلسطينى ــ فلسطينى.. حتى إن العدو الصهيونى لا يحتاج إلى حكومة يمينية أو متطرفة حتى تتعامل مع الشعب الفلسطينى الذى كان يسبب لهم الرعب الحقيقى ويحصد التأييد العالمى لأنه شعب يناضل من أجل حقوقه المشروعة.. أى حكومة إسرائيلية ضعيفة أو حتى متخاذلة لن تقدم للفلسطينيين أى شىء الآن..
بل ستأخذ كل شىء إذا أرادت وفى الوقت الذى تشاء.. لأن الكفاح والنضال والإحساس الوطنى لدى الفلسطينيين قد تبدد وتبخر.. وحل محله صراع أحمق مأفون على سلطة واهية وهمية فالدولة الفلسطينية دولة اسمية ليس إلا.. دولة فى وسائل الإعلام العربية.. دولة تتأثر ولا تؤثر.. والرئيس أبومازن له من صفات الرئيس الاستقبال الرسمى أحيانا ولقب الرئيس فى وسائل الإعلام، أما السيد «هنية» حاكم عزة الإسلامية فهو لا يصلح إلا للخطابة على منابر المساجد، وكل جماعة «حماس» أصابت الإسلام فى مقتل عندما تجاهلت قول المولى عز وجل «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» وأيضا ضربت الشعب الفلسطينى ضربة قصمت ظهره وقسمته نصفين.. شطيرة فلسطينية هنا.. وشطيرة فلسطينية هناك وكل شطيرة فى عدائها للشطيرة الأخرى أشد قسوة وضراوة من العداء للعدو المغتصب..
أراجع قصص النضال فى حياة الشعوب من أجل الحرية فلا أجد حالة انقسام واحدة فى أى شعب أثناء الكفاح.. دائما وأبدا الوطن أهم من الزعيم.. الوطن أولا والدين ثانيا لأنه بدون الوطن لن يكون هناك مكان للدين.. والدين أيها السادة قد يستغله البعض لتحقيق أهداف سياسية تدعم تواجده فينشر التواكل وروح الاستسلام والزهد فى الدنيا على أساس أن النعيم كله فى الآخرة ويظل الحاكم الظالم الجاهل مستبدا وقابعا على صدور الناس.. بينما الدين الذى أنزله الله لا يقر ذلك أبدا.. الدين يحارب دعاة الفرقة والانشقاق ويدعو إلى الجهاد.. الجهاد الحقيقى وليس الجهاد «الإعلامى» أو إطلاق الصواريخ الكاذبة التى ترتد على البسطاء والمساكين قنابل حارقة وناسفة تحصد الأرواح وتدمر المنشآت وتفرض الخراب والدمار..
الدين الذى يدعو الناس إلى العزة والكبرياء والاستبسال فى سبيل الوطن.. الخلافة الإسلامية فى غزة لا أكثر من خليفة ولكل خليفة حاشية وهم جميعا مشغولون ولا يهتمون إلا بجمع الخراج الذى يوزع عليهم بينما الشعب الفلسطينى يموت جوعا ومرضا ويأسا فى أوقات السلم ويموت حرقا فى أوقات الحرب التى يختفى فيها كل أصحاب اللحى الطويلة داخل الجحور والسراديب.. وعلى كل عاقل حكيم أن يدرك أن القضية الفلسطينية هى قضية تحرير وطن.. وليس نشر دين لأن الدين الإسلامى لا يحتاج إلى مشايخ حماس خاصة بعد أن تركت السلاح وأطلقت اللحى وارتدت العمائم.. وليس الحال بالأفضل فى الضفة.. حيث كبار التجار وأصحاب الثروات الذين يستمدون نفوذهم من المناصب الشكلية.. فهم يتصارعون مع أنفسهم أولا.. ويتصارعون مع إخوانهم أصحاب شريحة غزة.. ومعظم تفكيرهم فى حصاد أرباح أعمالهم.. أما القضية فصارت مثل «الكعبة» من وجهة نظر أبوسفيان لها رب يحميها.. وفى الضفة الغربية ألف أبوسفيان على الأقل يعلمون أن بقاء الوضع على ما هو عليه هو الأفضل بالنسبة لهم.
دول المواجهة حاربت وقدمت الشهداء.. وجميع الدول العربية قدمت المال والسلاح والمساعدات ومازالت.. والشعب الفلسطينى منقسم ومشتت وضائع مثل الشعب الذى جلس قادته يتناقشون فى عنف «هل البيضة أصل الفرخة، أم الفرخة أصل البيضة».. حتى أصبحت إسرائيل هى صاحبة الفرخة والبيضة فى الوقت الذى يظن فيه السيد عباس أنه رئيس والسيد هنية زعيم.. وكلاهما يعمل بكل الجهد مع كل من يحيط به فى الداخل والخارج حتى تصبح البقية الباقية من الأرض الفلسطينية تحت الاحتلال الكامل..
صحيح.. وواضح.. أن الحلم الصهيونى هو ترحيل شعب قطاع غزة إلى الأراضى المصرية.. وهو أمر تقبل به «منظمة حماس» وقادتها من الخوارج بدليل أنها تدفع بالأبرياء المضللين نحو الحدود المصرية بدلا من أن تدفع بهم نحو الأرض المحتلة بالعدو.. فأصبحت مصر فى نظر بعض المهووسين هى العدو وليس إسرائيل.. حتى إن بعضهم داخل مصر نفسها زعم وردد فتوى باطلة تزعم أن أرض الإسلام هى وطن لكل مسلم.. وفى رأيى أنها فتوى صهيونية وليست فتوى إسلامية، وخير دليل على ذلك أن الدولة الإسلامية فى أوج عزها وقوتها وحضارتها ظلت الأوطان فيها على حالها.. مصر هى مصر.. وفلسطين هى فلسطين.. والشام هو الشام.. والعراق هى العراق.. وهكذا.. وظل كل مسلم على هويته وجنسيته وداخل حدود دولته.. ولكن الجماعات الإسلامية التى تحكم باسم الدين ترحب بأى فتوى تؤكد وجودها وتدعم حكمها..؟
وإذا أرادت حماس أن تدخل أرض مصر فسيكون السلاح إسرائيليا والتخطيط إسرائيليا والتحريض إسرائيلي وستكون هذه الدولة هى المروج النشيط لهذه الفتوى المعطوبة.. هذه الفتوى التى تجيز للمسلمين من آسيا وأفريقيا أن ينتقلوا إلى السعودية على اعتبار أنها مهد الإسلام.. وتعطى الحق لكل العمال المسلمين من الهند وباكستان وأندونيسيا وحتى الشيشان فى أن تكون دول الخليج هى وطنهم ولكن هذه الفتوى المعطوبة تستهدف مصر دون غيرها حيث تنتهى القضية الفلسطينية تنفيذا للإرادة الإسرائيلية..
كانت القضية الفلسطينية هى الكرة فى ملعب الدول العربية وكل دولة تريد أن تسجل بهذه الكرة أهدافا لصالح سياستها الداخلية والخارجية، الآن الملعب به كرتان الأمر الذى يبطل اللعبة من أساسها.. فإذا كانت إسرائيل تكسب كل يوم.. فإن الشعب الفلسطينى يخسر فى كل دقيقة بفضل زعماء الشريحة الأولى فى الضفة والشريحة الأصغر فى غزة.. لهذا كله وأكثر منه أصبحت لا أحتمل..