عقد أمس فى مكتبة الإسكندرية مؤتمر مشترك بين البرلمانين العربى والدولى حول أهداف التنمية المستدامة، وبالأخص المساواة فى النوع، وهو ما يفتح الباب أمام الحديث القديم الجديد حول قضايا المرأة. المؤتمر حضره أعضاء برلمانات عربية وأخرى أوروبية، وشخصيات عامة، وقد دفع الحديث فى المؤتمر حول قضايا المرأة إلى التفكير فى بعض النقاط التى تخص المرأة المصرية، التى شهدت فى الفترة الأخيرة بعض الإشارات الإيجابية:
أ ــ تعديل التشريعات بما يضمن تعزيز حقوق المواطنة للمرأة المصرية، وإزالة جميع أوجه التمييز حيالها خاصة على المستوى القانونى.
ب ــ تفعيل حضور المرأة فى المؤسسات العامة، خاصة المنتخبة على المستويين القومى والمحلى، ودعم الاتجاهات المستنيرة فى الفكر الدينى، تشجيع البعثات العلمية للخارج، مساندة التفكير النقدى فى مجالات الثقافة والإعلام، التأكيد على مساهمة المرأة فى التنمية، ودعم المجال العام، بما يصب فى نظرة أفضل تجاه قضايا المرأة، أو على الأقل أن تكون هذه القضايا حاضرة ضمن الجدل العام فى المجتمع.
جـ ــ نشر الإسهامات «الجندرية» فى الفكر الدينى. يقتضى ذلك إلقاء الضوء على اسهامات المرأة، ورؤيتها، والتخلص من العقلية «الذكورية» الكثيفة فى الفضاء الدينى. هنا ينبغى الانتباه إلى قضية أساسية أنه فى الوقت الذى مضت فيه العديد من الدول الغربية ــ ذو التراث العلمانى ــ على طريق نقد الفكر الدينى من منطلقات جندرية، فإن ذلك ليس ملائما للحالة المصرية، ومناهضا لخبرة التراث فى المنطقة بأسرها، كل ما نصبو إليه هو أن تكون مساهمة المرأة فى الفكر الدينى حاضرة بما يحمل الأذهان إلى الاعتقاد أن إثراء إنتاج الفكر الدينى يكون بتنوع منتجيه، فكريا ونوعيا.
د ــ تدعيم مشاركة المرأة فى منظمات المجتمع المدنى: النقابات، الأحزاب، الجمعيات، الأندية، الروابط المهنية، كل ذلك يخلق مجالا عاما متنوعا تصير المرأة فيه حاضرة بقوة سواء فى الإسهامات العامة، أو فى إثارة ونقاش قضايا المساواة والحريات بالنسبة للمرأة، والحد من الأفكار السلبية، أو نشر الأفكار النهضوية.
لن تتغير وضعية المرأة بالحديث الدائم عن «حقوق المرأة»، أو الخطاب «النسوى» الحاد، ولكن من خلال تغيير المجتمع ذاته، ومشاركة المرأة ذاتها فى صنع هذا التغيير. هذا ما نطلق عليه التنمية. انتشال المرأة من الفقر والتهميش، أسوة ببقية مكونات المجتمع، التنمية رحلة تحرر للإنسان ليس فقط من العوز المادى أو الشعور بالاستضعاف النفسى ولكن أيضا من الشعور بالتهميش والانزواء فى الظل، وعدم القدرة على مواجهة الفساد، والعنف، والاستغلال.
من هنا فإن الربط بين التنمية وحقوق المرأة ومواجهة العنف ــ الوجه الأبشع للاستغلال ــ هو مقاربة واقعية وذكية، وليست سطحية أو خيالية على النحو الذى ظل الخطاب النسوى يردده لعقود دون أن يكون له مردود على أرض الواقع من ناحية، ومن ناحية أخرى ساعد على نشر مزاعم الجهات والأفراد التى تقف حائلا أمام حقوق المرأة بالحديث الدائم عن «اغتراب» هذا الخطاب، وانفصام ارتباطه بالواقع الذى نعيش فيه.