(رائحة شياط) فى مصر - وائل قنديل - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 2:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(رائحة شياط) فى مصر

نشر فى : الجمعة 19 مارس 2010 - 9:48 ص | آخر تحديث : الجمعة 19 مارس 2010 - 9:48 ص

 هذه لحظة نادرة فى تاريخ مصر، تبدو فيها أكبر دولة فى المنطقة أشبه بموقف سيارات عشوائى، لا أحد يعرف إلى أين ذاهبون ولا متى ولا كم سيكون ثمن الانتقال، وفى وسط الزحام يجد بعض الصبية من منادى السيارات فرصتهم فى الاسترزاق من هذا الأسطى أو ذاك.. كثير من السيارات غير مرخصة وبلا مشروعية حقيقية، وبعضها متهالك، ربما يصلح بالكاد لنقل قطيع من الغنم إلى المذبح، وليس شعبا عريقا تعصف به الحيرة والتساؤلات عن المصير.

الإخوان يحذرون من انفجار مصر، هى فعلا مثل أنبوبة، لكنها أنبوبة فارغة، فرغت بفعل فاعل، وجمعيات جديدة تتشكل كل يوم، لتنشق فى اليوم التالى عن جمعيات مضادة، طبيعى للغاية عندما تشتد الأزمة والزنقة والخنقة أن يتم اللجوء لسلاح الجمعيات، البلد فى ضيقة ومعذورة إلى حد الإفلاس، حديث الحراك يجرى على كل الألسنة، لكن لا توجد ملامح حركة منتظمة تشى بمصير مصر.

الكل يتحدث عن صحة الرئيس، تختلط الشائعات بالتكهنات والتمنيات، وفى هذا الزحام المرعب لا أحد يتحدث عن صحة مصر، وينشغل الجميع بكم مخيف من الأجندات المتصارعة، وكأننا فى برج بابل، تطالع أقوال السيد منصور حسن فتجد الشىء ونقيضه، ثم مركبا بينهما على طريقة الديالكتيك فى فلسفة هيجل، فمرة يعلن استعداده لخوض الانتخابات الرئاسية لو تمت تعديلات دستورية على المادة 76، ثم يبدو مؤيدا للدكتور البرادعى، ناصحا له بالانضمام لأى حزب وفى اليوم التالى يتحدث عن ارتفاع نسبة القبول بجمال مبارك لو تبنى الإصلاح السياسى (كما جاء فى حواراته مع رانيا بدوى فى المصرى اليوم) ثم نفاجأ ببيان لمنصور حسن ينصح فيه المعارضة بالتوحد فى كيان يكون مع الحزب الوطنى جناحى العمل الشعبى.

وفى وسط هذه الصورة العبثية المرتبكة تجد المعارضة نفسها فى حالة معارضة مع ذاتها، أحزاب ضد جمعيات، وأحزاب ضد أحزاب، وجمعيات ضد جمعيات، ويبدو هذا اللامنطق شيئا منطقيا للغاية بالنظر إلى مباغتة رحلة هايدلبرج للجميع، فبدا المستقبل أمامهم مثل الفيل فى حكاية عميان الفيلسوف فولتير الخالدة، كل يرى فيه شيئا مختلفا، الذين تحسسوا خرطومه قالوا إنه الثعبان والذين تلسموا أرجله قالوا شجرة، وهكذا يتعامل الجميع فى مصر الآن مع التغيير، لا يريد أن يدرك منه إلا ما يريده ويحقق مصلحته الشخصية.

غير أن أفظع ما فى الأمر أن المشهد انكشف عن أن كل ما قيل عن دولة المؤسسات والاستقرار هو أيضا من قبيل تصورات عميان فولتير عن الفيل.. هناك رائحة شياط لكن أحدا لا يعلم مصدرها ومن ثم تصبح السيطرة عليها عملية بالغة الصعوبة والخطورة.

وائل قنديل كاتب صحفي