كتب غيرى وكتبت من قبل أن علينا أن نعرف ما الذى ينبغى أن نتجنبه فى دستورنا القادم. والمهارة الحقيقية فى أن نسعى لتجنب مزالق أربعة، شريطة ألا نسعى لعلاج أحد هذه المزالق بأن نقع فى نقيضه. فلا نريده أولا أن يكون دستورا استبداديا ذلك بتحصين الدستور من أى انفراد بالسلطة من قبل أية مؤسسة سياسية عن طريق وضع جميع المؤسسات داخل إطار عمل متوازن ورقابة متبادلة، وإلا كان البديل هو إعادة انتاج الاستبداد الذى كنا فيه تحت مسميات جديدة.
ولكن لا ينبغى ثانيا أن يفضى التوازن والرقابة المتبادلة إلى حالة من الشلل السياسى؛ لأن التوازنات السياسية يمكن أن تترجم إذا ما اختلفت التوجهات السياسية بين البرلمان والرئيس ورئيس الوزراء إلى الإضرار بمصالح المواطنين وتمكين أطراف اللعبة السياسية من التعسف فى استخدام الصلاحيات، مثلما يحدث الآن فى البرتغال واليونان.
ومع ذلك، لا ينبغى أن نصلح معضلة «الشلل السياسى» بوضع أسباب عدم الاستقرار السياسى وهو المطب الثالث الذى ينبغى لنا تجنبه. لذا على الدستور أن يصاغ على نحو يجعل أنه ليس من مصلحة أحد أن يبالغ فى استخدام أدوات «تفجير الموقف» من طرح ثقة بالحكومة أو حل مجلس الشعب واتهام الرئيس بالتقصير.
وهناك رابعا العمل على الحفاظ على احترافية وانضباط المؤسسات السيادية والحكومية وعدم تحزبها. فهناك المؤسسات السيادية الأربع: الجيش والشرطة والمخابرات والخارجية وهناك المؤسسات التثقيفية الأربع: مثل الإعلام والتعليم والثقافة والأوقاف، ومعهما المؤسسات الرقابية والقضائية. هذه مؤسسات مصرية غير حزبية تقوم على قواعد احترافية لا ينبغى أن تتغير توجهاتها مع كل تداول للسلطة، وعليها أن تظل بعيدة عن الصراع السياسى والمزاج الانتخابى.
تجنبا لما هو سابق، فلنسع لما هو لاحق.
أولا، كل سلطة توازيها سلطة مكافئة لها تشترك فى عملية صنع القرار معها.. وهى ببساطة تعنى ألا يوجد شخص فى الهيكل السياسى كله يمارس اختصاصاته بعيدا عن جهة إما يستشيرها أو يتخذ القرار بموافقتها. ويبدو هذا واضحا فى عملية اختيار المحافظين أو فى تعيين رئيس الوزراء والوزراء أو النائب العام أو قضاة المحكمة الدستورية العليا. وما أتمناه ألا أرى هذه المناصب ينفرد فيها رئيس الجمهورية بالتعيين أو الاختيار.
ثانيا، كل سلطة تراقبها سلطة أخرى تحاسبها إن أخطأت.. وهو مبدأ مستقر فى الديمقراطيات الحديثة بأن تكون الرقابة سريعة وحاسمة بحيث لا تتاح الفترة الزمنية الكافية كى تتحول مؤسسات الدولة وأدوات التشريع إلى أداة قمع سياسى للمنافسين.
ثالثا، كل شخص فى مركز صنع قرار عليه قيود كافية لعدم إساءة استخدام منصبه السياسى.. بما فى ذلك من تحديد واضح نسبيا للصلاحيات والحصانات والامتيازات المالية وكيفية محاكمته سواء كان رئيس الجمهورية أو الوزراء أو أعضاء البرلمان، مع وضع مؤشرات واضحة لكيفية صياغة القوانين التأسيسية التى تكمل البنيان الدستورى حتى لا تتآكل هذه القيود وتتاح معها فرصة إساءة استغلال المناصب.
رابعا، وضع ضوابط كافية لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.. من خلال مفوضية عليا لحقوق الإنسان، ومجلس أعلى للإعلام، ومفوض برلمانى للقيام بمهام ديوان المظالم. وكل هذا وغيره لنضمن أن تكون الدولة فى خدمة المجتمع وليس العكس. فهذه فرصة تاريخية لأبناء هذا الجيل من المصريين أن يعيدوا الاعتبار إلى حقوق الإنسان فى حسابات صانع القرار