الحسابات الخاطئة لأطراف الصراع السياسى فى مصر - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الإثنين 16 ديسمبر 2024 4:55 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحسابات الخاطئة لأطراف الصراع السياسى فى مصر

نشر فى : الإثنين 19 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 19 أغسطس 2013 - 8:00 ص

قليلون هم الذين يستطيعون فى الوقت الحاضر الارتفاع فوق مشاعر الحزن والغضب، أو حتى الرغبة فى الانتقام ممن يعتبرونهم مسئولين عن هذه الأوضاع غير المسبوقة فى تاريخ مصر، والتى أدت حتى كتابة هذه السطور ليلة الجمعة إلى مقتل المئات وجرح الآلاف وفقا لوزارة الصحة، وأكثر من ذلك بكثير وفقا للمتحدثين باسم الإخوان المسلمين، ومع أنه لا يبدو أن هناك مخرجا من هذا الموقف فى الوقت الحاضر، إلا أن هذا الانسداد للأفق السياسى هو الذى يفرض على البعض أن يحاولوا أولا بيان أخطاء التقدير الهائلة لدى أطراف الصراع، والتى ربما يؤدى التبصير بها إلى التوصل إلى حسابات مختلفة تفتح الطريق للخروج منه ليس فقط بأقل الأضرار، ولكن بما يسمح أيضا بانتقال مصر إلى نظام سياسى جديد يحظى بالقبول الواسع من كل قواها السياسية، ويمكنها من الانطلاق نحو تحقيق التطلعات المشروعة لكل مواطنيها فى حياة كريمة أكثر إنسانية.

وأبدأ تحليل الحسابات الخاطئة بالفريق الذى انتمى إليه وهو القوى المدنية التى تتمثل فى الأحزاب والقوى التى تشكل ما سمته جبهة الإنقاذ الوطنى. وحسابها الخاطئ هو تصور قياداتها أنها ستجد طريقها إلى الحكم بعد انتخابات قادمة سيكون مفروشا بالورود التى تضعها على طريقها القوات المسلحة دون أن تبذل معظمها جهودا حقيقية للتواصل مع المواطنين فى كل أنحاء البلاد وبناء تنظيمات تضم فى صفوفها مئات الآلاف إن لم يكن ملايين المواطنين الذين يرون فيها الناطق الأمين باسمهم وأداتهم فى تحسين ظروف حياتهم. أوكلت هذه الأحزاب مهمة التغيير السياسى فى مصر إلى حركة تمرد ثم بعد ذلك قيادة القوات المسلحة، والنتيجة التى نشهدها الآن هو خروج هذه الأحزاب من قائمة الفاعلين السياسيين الذين يمكن أن يكون لهم دور فى إنقاذ الوطن من أزمته المصيرية، وذلك فى الوقت الذى تشتد فيه الحاجة لمثل هذا الفاعل.

●●●

والطرف الثانى الذى رسم حسابات خاطئة هو بلا شك قيادة القوات المسلحة التى تصورت أن الخلاص من حكم الإخوان المسلمين استجابة لرغبة شعبية عارمة سوف يكون بمثل سهولة خروج حسنى مبارك من قصر الرئاسة فى مصر الجديدة. لم يكن وراء حسنى مبارك تنظيم تمرس فى العمل السياسى وغطى بأنشطته المتعددة كل أنحاء الوطن، ولم تدرك قيادة القوات المسلحة أنه سوف يدافع باستماتة عن هزيمته التاريخية ذات الصدى العالمى لأنها هزيمة ألحقتها به جماهير الشعب فى 30 يونيو قبل خطاب وزير الدفاع فى 3 يوليو، ولم تكن الحكومة ولا قيادة القوات المسلحة تضع فى حسابها كل هذه الاعتبارات رغم وضوحها، كما لا يبدو أيضا أنها استعدت لردود الأفعال الدولية الناقدة والمستنكرة لأسلوبها فى التعامل مع هذا الموقف. ولذلك جاءت ردود أفعالها مترددة ومتأخرة بل ومتناقضة. فكيف تدعو جماعة الإخوان المسلمين للمشاركة فى الحكومة وتقبض فى نفس الوقت على قياداتها وتوجه أبشع الاتهامات لهم وتأمر بالقبض عليهم وتضع بعضهم فى السجون.

●●●

والطرف الثالث الذى رسم حسابات خاطئة هو بكل تأكيد قيادات الإخوان المسلمين. أخطر حساباتها هو تجاهلها المتعمد أن ما جرى فى مصر فى 30 يونيو و26 يوليو هو رفض شعبى عارم لأسلوبها فى الحكم ولإخفاقها فى علاج مشاكل البلاد الأساسية وافتقادها لأى مشروع مقنع لمواجهة هذه المشاكل أيا كانت تسميتها لهذا المشروع. وترتب على هذا الخطأ فى التقدير تحديد الخصم الذى على الإخوان مواجهته وهو القوات المسلحة أو الدولة المصرية بأسرها بشرطتها وقضائها وإدارتها. لم يتعظ الإخوان المسلمون بتجربتهم التاريخية والتى تكشف أنهم خسروا فى كل مواجهة لهم مع الدولة المصرية سواء على عهد الملك فاروق أو عهد جمال عبدالناصر، بل إن نجاحهم الانتخابى فى سنة 2005 كان باتفاق مع جهاز أمن الدولة كما كشف ذلك قادتهم، فضلا عن أن المبادرة فى الدعوة لثورة يناير التى أسقطت حسنى مبارك لم تأت منهم، بل ولم يعرف عنهم أى تخطيط لإسقاط حكم مبارك على الرغم من التزوير الفاضح للانتخابات الأخيرة فى عهده فى 2010. ربما يجهل قادة الإخوان المسلمين أن عهد حروب العصابات ضد القوات النظامية قد مضى وأنه ليس من المحتمل أن تنجح أساليبهم فى المقاومة فى هزيمة القوات المسلحة. الاحتمال الوحيد لهزيمة القوات النظامية هو أن تؤدى ثورة شعبية لإحداث وتعميق الانقسام داخل القوات المسلحة، وليس من المتوقع أن يقود الإخوان المسلمون هذه الثورة لأن ما جرى فى 30 يونيو و26 يوليو يثبت لهم أن مشاعر قطاع واسع من المواطنين ليست معهم بل وهى مع خصومهم. كما أنه ليس من المحتمل أن تؤدى الضغوط الدولية إلى تراجع الحكومة عن موقفها من رفض شروطهم للمصالحة لأنها تعنى ببساطة أن تخلى هذه الحكومة موقعها لهم بل وأن يواجه قادتها بما فى ذلك وزير الدفاع احتمال محاكمتهم.

●●●

وهناك فاعل رابع لا يبدو ظاهرا فى الوقت الحاضر ولكن تدخله هو الذى غير الحسابات، هذا الفاعل هو جماهير المصريين الذين لا ينتظمون فى أحزاب سياسية ولكنهم استجابوا لدعوة حركة تمرد بالتوقيع على بياناتها المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة فى 30 يونيو وفوضوا الفريق أول عبدالفتاح السيسى للتعامل مع ما اعتبروه عنفا وإرهابا. خطأ هذه الملايين أنها تترك مصير الوطن ليحدده غيرها حتى ولو كانت تؤيده.

●●●

هل يمكن أن يكون هناك مخرج فى المستقبل القريب؟

يتمنى معظم المصريين أن يكون هناك مخرج آمن وسلمى لهذه المواجهة الدامية فى المستقبل القريب، ولكن احتمال حدوث هذا المخرج ضئيل للغاية. لا يملك الطرفان الأساسيان فى هذا الصراع أن يقضى أحدهما على الآخر لا بالضربة القاضية ولا حتى بالنقاط. لن تستطيع حشود الإخوان المسلمين واحتجاجاتهم هزيمة القوات المسلحة، والتى على الرغم من الإدانة الدولية لما تعتبره حكومات غربية ومنظمات حقوقية استخداما مسرفا للقوة، إلا أنه فى مواجهة التصعيد من جانب الإخوان قد يكون هناك تصعيد من جانب قوات الأمن، وهو ما لا نتمكن حدوثه. ولن تستطيع قوات الأمن أن تقضى على مقاومة تنظيم بضخامة وتشعب وتعدد أنشطة الإخوان المسلمين. وفى مثل هذه المواقف ليس هناك مخرج إلا بالتفاوض وبالوصول إلى حلول وسط. فما هى هذه الحلول التى قد تكون فى نهاية المطاف مقبولة للطرفين. ولا بد فى هذا السياق التأكيد على أن هناك فاعلا آخر وهو جماهير 30 يونيو و26 يوليو لا بد ان يكون راضيا عما يتم التوصل إليه، وإلا فإن عدم رضائه عنه سوف يجعل مثل هذا الاتفاق قصير الأجل.

هناك اتفاق على بقاء الإخوان المسلمين طرفا فاعلا فى الحياة السياسية المصرية، وهناك التزام من جانب الحكومة المؤقتة بكل أعضائها على التحرك بسرعة لتنفيذ خارطة الطريق والتى تنتهى بانتخابات تشريعية ورئاسية مفتوحة لكل الأطراف. هذه هى أسس التوافق، ولكن القضايا الصعبة هى أولا مصير جماعة الإخوان المسلمين التى ليس من المقبول فى دولة «ديمقراطية حديثة» أن تكون هناك أى جمعية لا تخضع للقانون. ليس من المألوف فى النظم الديمقراطية أن يتولى الترشيح للانتخابات والتمويل السرى للأحزاب السياسية بل وصنع قرارات الحكومة جماعة لا تخضع للقانون. وثانيا فأساس المأساة التى تهدد استقرار المجتمع هو ذلك الاستخدام الخطير للدين فى الصراع الحزبى. شعار المتظاهرين من الإخوان المسلمين هو «بالروح والدم نفديك يا إسلام» ليس هناك خطر على الإسلام فى مصر، ولكن هناك خطرا على المصريين مسلمين ومسيحيين من هذا الاستخدام الماكر للشعارات الدينية فى الحياة السياسية. هذه هى التنازلات الصعبة التى على قادة الإخوان المسلمين قبولها حتى نشهد بداية الخروج من أكبر أزمة تواجه الدولة والمجتمع فى مصر.

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات