فى أول رد إثيوبى عملى على بيان مجلس الأمن الخاص بأزمة سد النهضة، أعلن وزير المياه والرى والطاقة الإثيوبى سيشيلى بيكيلى نجاح بلاده فى تركيب وحدة مولد التوربينات الدوار بالوحدة العاشرة بسد النهضة وهى إحدى وحدتى توليد مبكر للكهرباء بسعة 375 لكل منهما.
التصرف الإثيوبى الأخير يشير إلى أن أديس أبابا ماضية فى الطريق الذى بدأته منذ 10 سنوات، وتصر على استكمال الإنشاءات فى موقع السد دون النظر إلى النداءات الدولية والإقليمية بالتوقف لحين الوصول إلى اتفاق مع دولتى المصب، وهو ما تكرر أثناء عرض القضية على مجلس الأمن حين أصرت أديس أبابا على استكمال الملء الثانى للسد رغم كل التحذيرات.
رغم أن بيان مجلس الأمن الدولى الصادر مساء الأربعاء الماضى أكد أن المجلس «ليس جهة اختصاص فى النزاعات الفنية والإدارية حول مصادر المياه والأنهار»، إلا أنه دعا إلى استئناف المفاوضات بين أطراف الأزمة الثلاثة، برعاية الاتحاد الإفريقى وبطريقة «بناءة وتعاونية»، بهدف الوصول سريعا لاتفاق قانونى ملزم حول ملء وتشغيل السد وفى إطار زمنى معقول».
بيان المجلس تجاهل المطالب الأساسية لدولتى المصب بدء من تحديد سقف زمنى للانتهاء من التفاوض وصولا لإلزام دولة المنبع بالتوقف عن أى إجراء أحادى، مع ذلك أعلنت مصر ترحيبها بالبيان واعتبرته «دفعة للجهود المبذولة من أجل إنجاح المسار الإفريقى التفاوضى»، بحسب بيان وزارة الخارجية المصرية، فيما أبدت السودان ترحيبا مشروطا وقالت إنها مستعدة للمشاركة فى جولات التفاوض الجديدة، شريطة أن «تهدف للوصول إلى اتفاق يحفظ مصالح الجميع، مشددة فى الوقت ذاته على ضرورة أن يتم تغيير المنهجية غير الفاعلة لجولات التفاوض الماضية.
أما أديس أبابا فراوغت كعادتها، حيث رفضت تدخل مجلس الأمن فى قضية حقوق المياه والتنمية «الخارجة عن اختصاصه»، وهاجمت فى الوقت ذاته تونس، واعتبرت تقدمها بمشروع قرار عن سد النهضة إلى مجلس الأمن «زلة تاريخية».
بيان «إبراء الذمة» الصادر من مجلس الأمن الدولى أعاد الأزمة مجددا للاتحاد الإفريقى الذى فشل سابقا فى إقناع أديس أبابا فى الوصول إلى اتفاق ملزم، فالطرف الإثيوبى يرى أنه لا يمكن أن «يقيد نفسه فى تشغيل سد تنموى بما تريده دول أخرى»، ويعتبر التصرفات الأحادية بشأن السد حق سيادى لا يجب أن ينازعه فيه أحد.
لم يكن أحد ينتظر من مجلس الأمن الدولى أكثر من هذا البيان، فتصريحات المندوب الفرنسى نيكولا دور ريفيير رئيس المجلس قبيل جلسة 8 يوليو الماضى، حددت سقف حركة المجلس فى تلك الأزمة، «ليس لدينا الكثير الذى يمكننا القيام به بخلاف جمع الأطراف معا للتعبير عن مخاوفهم ثم تشجيعهم على العودة للمفاوضات بغية الوصول إلى حل».
أوضحت كلمات أعضاء مجلس الأمن خلال تلك الجلسة مدى انحياز بعض الدول للموقف الإثيوبى بسبب ارتباطهم بمصالح مباشرة مع أديس أبابا، وأفصحت عن موقف أعضاء المجلس بعدم التدخل فى نزاعات المياه، لذا لم يكن من المتوقع أن يصدر من المجلس أى قرار يتجاوز دعوة الأطراف المتنازعة للجلوس على طاولة المفاوضات مجددا.
وزير الخارجية الكونغو كريستوف لوتوندولا أشار خلال مؤتمر صحفى مع نظيره المصرى سامح شكرى الخميس الماضى إلى أن بلاده بوصفها رئيس للاتحاد الإفريقى تملك رؤية «تحدد المسار خلال الفترة المقبلة»، شكرى من جهته أكد على استعداد مصر للتجاوب مع ما سيُطرح، مشددا على ضرورة وجود ضمانات للتوصل لاتفاق واضح.
الضمانات المصرية يجب أن تتضمن تحديد جدول زمنى قصير لجولة المفاوضات الجديدة، وإلزام الإثيوبيين بالتوقف عن أى إجراءات أحادية لحين الوصول لاتفاق، وأن تتم هذه الجولة بمشاركة «مراقبين» دوليين وليس إفريقيين فقط، وإلا تشمل المحادثات أى حديث عن حصص المياه التى قالت إثيوبيا أنها يجب أن تكون «عادلة ومعقولة».
الشارع المصرى القلق يخشى من أن تجرنا أديس أبابا إلى متاهة التفاوض العبثى مجددا، بغية كسب وقت تتمكن فيه من فرض أمر واقع جديد، فيضاف إلى الفرص الضائعة فى هذه القضية.
على القاهرة والخرطوم أن يضعا من الآن تصوراتهما للخيارات الأخرى حتى إن فشلت تلك الجولة أو ماطلت إثيوبيا كالعادة فنكون مستعدين للتدخل حفاظا على حقنا فى المياه والحياة.