لا مكان للصغار - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 7:49 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا مكان للصغار

نشر فى : الجمعة 19 أكتوبر 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 19 أكتوبر 2012 - 8:45 ص

امتناع الدولة عن التدخل لحسم بعض المنازعات، فى مقابل تدخلها الحاسم فى مواقف أخرى، يعكس انحيازها لصالح «الكبار» على حساب الضعفاء والمهمشين، على نحو يتناقض مع وعود الرئيس فى خطابه الأول بأن يكون الجميع سواسية أمام القانون، ويتناقض مع فكرة العدالة التى تقتضى الانحياز للضعفاء.

 

●●●

 

أنشئت جامعة النيل بقرار جمهورى سنة 2006، لتكون أول جامعة تكنولوجية تعنى بالأبحاث التطبيقية وتوطين التكنولوجيا، فاستقدمت عددا من الأساتذة المصريين المغتربين، ووفرت لهم المناخ والبنية التحتية والإمكانيات المطلوبة لأبحاثهم، وقدمت منذ إنشائها أبحاثا مهمة فى مجالات تتصل بالثروة الحيوانية، والطب، ونظم المعلومات، وتكنولوجيا الصناعة، وغيرها، رغم قلة ما توفر لها من موارد مالية.

 

وقد خصصت الدولة قطعة أرض مساحتها 127 فدانا بالشيخ زايد للجامعة، فقام الأساتذة ـ بالتوازى مع عملهم التدريسى والبحثى الذى انطلق من مقر الجامعة المؤقت بالقرية الذكية ـ بالإشراف على تجهيزات المبانى التى تكلفت قرابة الأربعين مليون جنيه، تم تدبيرها من موارد الجامعة (وهى كيان أهلى غير هادف للربح، أسسته جمعية مشهرة للنفع العام، وتحصل على دعم حكومى من وزارة الاتصالات) ومن التبرعات التى حصلت عليها، حتى أنجزت فى نهاية عام 2010. فلما صدرت اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات الأهلية فى أكتوبر 2010 تقدمت الجامعة ـ التى لم يكن القانون قد صدر عند إنشائها ـ بطلب تحويلها لجامعة أهلية، ووافق عليه وزير التعليم العالى ومجلس الجامعات الخاصة والأهلية وقتئذ، وظل التحويل معلقا بسبب عدم صدور قرار جمهورى به، وفى يناير 2011 انتقلت الدراسة للمقر الرئيس للجامعة.

 

وفى أعقاب الثورة ظهرت فى الأفق مستجدات، تمثلت فى عودة الدكتور أحمد زويل لمصر، وإعلانه ـ بالتوازى مع توارى اسمه من لجان الحكماء ـ إحياء مشروع (مدينة زويل) الذى كان قد تعطل سنوات، وهو إحياء لقى دعما وقتئذ من حكومة الفريق شفيق، الذى طلب من جامعة النيل إخلاء المبانى لعجزه عن تأمينها، ثم قرر نقل أصولها إلى صندوق تطوير التعليم، وفى نفس اليوم (17/2/2011) وقع رئيس مجلس أمناء المؤسسة التى أنشأت الجامعة (لا نفس الجامعة) منفردا (بغير اجتماع المجلس) تنازلا عن حقوق الجامعة فى استخدام الأرض المخصصة لها، ثم تنازلا عن كل أصول وأموال الجامعة (وهى تنازلات مخالفة للقانون لا يملكها مجلس أمناء الجمعية ولا رئيسه، ولم تزل منظورة أمام القضاء)، وقرر رئيس الوزراء تخصيص نفس الأرض لصالح مدينة زويل، ومنع طلبة الجامعة وأساتذتها من دخولها، الأمر الذى أدى لتنازع على الأرض والمبانى بين الطرفين.

 

والموقف من التنازع المستمر من وقتها، والمحتدم منذ أشهر يعكس انحياز الدولة للكبار، فلا يمكن تفسير صمت الدولة إزاء التنازع على الأرض بين كيان قانونى قائم ـ هو جامعة النيل ــ وكيان لا وجود قانونى له ــ هو مدينة زويل، والتنازع على المبانى بين من جمع لها التبرعات وصممها وأشرف على تنفيذها ومن لم يكن له فى ذلك دور، باختلاط الأمر وعدم معرفة الصواب، ولا يبقى غير تفسيره بالعجز عن إغضاب الكبار.

 

ويبدو الحرص على رضا الكبار جليا فى مواقف الدولة المتلاحقة، كسرعة استصدار قرار تمكين زويل ــ من غير كيان قانونى مشهر ــ من الأرض، وتمكينه من جمع الأموال والتبرعات للمدينة من غير غطاء قانونى، والقبول بمجلس الأمناء الذى اقترحه من غير تعديل (رغم أن أحد أعضائه ملياردير يمتلك مؤسسة يعمل فيها زويل وعضو آخر بمجلس الأمناء، وله استثمارات عملاقة فى إسرائيل)، وكلها أمور تعد من قبيل الاستثناء المخالف لطبائع الأمور فى الدولة المصرية، ويضاف إليها استخدام القوة فى فض اعتصام الطلبة، وتأخر إصدار القرار الجمهورى بإعلان جامعة النيل جامعة أهلية مستقلة بما يقضى على كل أشكال تبعيتها للجمعية المؤسسة لها، رغم استيفاء الأوراق وطرحها فى انتظار القرار منذ ما يقرب من سنتين، وطرحها توفير قطعة أرض أخرى لجامعة النيل (مع تجاهل الأموال والمجهود التى بذلت فى إنشاء المبنى القائم)، وغير ذلك.

 

●●●

 

لم تكن تلك هى الواقعة الوحيدة التى بدا فيها انحياز الدولة للكبار، فقبل أسبوع وقعت مصادمات فى ميدان التحرير بين المتظاهرين الذى دعوا قبل فترة للتظاهر اعتراضا على أداء الرئيس وعدم إنجازه ما وعد به، ورفضا لبعض مواد مسودة الدستور، وبين الإخوان المسلمين وأنصارهم من المتظاهرين من مؤيدى الرئيس.

 

كانت دعوة الإخوان للتظاهر غريبة، ليس فقط لأن التظاهر يكون ـ فى النظم الديمقراطية ـ آلية اعتراض، وأن الأنظمة الشمولية هى وحدها التى تخرج فيها المظاهرات تأييدا للرئيس (رأينا ذلك مرارا فى بلادنا قبل الثورات وخلالها)، ولكن لأن الدعوة كانت للتظاهر فى نفس المكان والزمان الذى دعت القوى المعارضة للتظاهر فيه، الأمر الذى يفتح بالضرورة أبوابا واسعة للعنف على نحو يدركه كل ذى لب، ويعكس ـ بالتالى ـ انعداما للمسئولية السياسية والوطنية عند الداعين للتظاهر، واستهانة منهم بالدماء من الطرفين المؤيد لهم والمعارض.

 

وكان لزاما على الدولة، أمام هذا المشهد، أن تتدخل، بيد أن صمتها بدا محيرا، بدءا من صمت الوزارات المعنية وعدم اعتراضها على إقامة مظاهرتين متضادتين فى نفس الزمان والمكان، ووصولا للسكوت بعد أحداث العنف التى وقعت، وعدم تقديم القيادات المسئولة عن العنف ـ بدعوتهم للتظاهر مع من يهتف ضدهم ـ للتحقيق، رغم أنها قد أحالت من قبل الداعين للمظاهرات للتحقيق مرارا عندما أفضت المظاهرات إلى عنف وتخريب.

 

●●●

 

ثمة تفسيران لموقف القيادة السياسية من الأزمتين، أولاهما أنها لا تسعى لتطبيق القانون بالتساوى على الجميع، حرصا منها على عدم إغضاب ذوى النفوذ، وهم فى الحالة الأولى الدكتور زويل بما معه من آلة إعلامية ومكانة دولية يواجه بها هيئة تدريس وطلاب هم ـ على ما أنجزوه فى الجانب العلمى ـ أضعف منه فى هذه الجهة، وفى الحالة الثانية قيادات جماعة الإخوان الذين لم يزالوا يمدون الرئيس بالدعم الفنى فى كثير من الأمور، وأما التفسير الثانى فهو أن السلطة قد استوعبت الرئيس المنتخب بالكامل، وأسرع من المتوقع، بحيث لم يعد يرى الأمور إلا بمنطق السلطة، أى منطق الكبار.

 

رضى الله تعالى عن أبى بكر، قال: القوى فيكم ضعيف عندى حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوى عندى حتى آخذ الحق له.

التعليقات