أعلنت المملكة العربية السعودية يوم 14 ديسمبر، عن تشكيل تحالف عسكرى إسلامى لمحاربة الإرهاب. يتكون من 34 دولة. الإعلان السعودى ذكر الدول المنضمة للتحالف، ومن بينها مصر، وأشار إلى أن قيادته ستكون للسعودية وأن غرفة عملياته سيكون مقرها فى الرياض. بعدها بساعات صرحت وزارة الخارجية المصرية بأن مصر تدعم كل جهد إسلامى أو عربى يهدف إلى مكافحة الإرهاب والقضاء عليه.
بخلاف المقصد العام والفضفاض للتحالف أى محاربة الإرهاب، لم يكشف الإعلان عن أى معلومات أخرى لا عن أهدافه المحددة ولا عن مبادئه، ولا عن أسلوب اتخاذ القرار فيه وطرائق عمله، ولا عن أدواته، لا العسكرية منها ولا السياسية. ليس فى ذلك غرابة فلقد أعلن أيضا أن التحالف تم تشكيله فى 72 ساعة، أى أنه تشكل على عجل لا يمكن أن يكون قد سمح بالبحث فى أى من دقائقه، وعندما يغض الطرف عن الدقائق فى أمور خطيرة كتشكيل التحالفات بين الدول، فاعلم أنها تشكلت على سبيل المجاملات ورفع الحرج. ولكن هذا سبيل غير جدير بالدول، فهو إما سيؤدى إلى التهرب مما جرى الوعد المتعجل بالالتزام به، أو وهو الأخطر، قد يفضى إلى مزيد من المجاملات بالاشتراك الفعلى العسكرى أو السياسى فى عمليات تحالف غير مدروس أى شىء فيه.
أول ما يتبادر للمراقب هو أن الدول الأربع والثلاثين الأعضاء فى التحالف هى أيضا أعضاء فى منظمة التعاون الإسلامى، ومع ذلك لم يصدر الإعلان عن تشكيل التحالف بقرار من أى هيئة من هيئات المنظمة. المملكة العربية السعودية كانت وراء إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامى، وهى السلف لمنظمة التعاون الإسلامى، فى سنة 1969، على الرغم من سابق تحفظ الرئيس جمال عبدالناصر على الفكرة وقبوله فى نهاية الأمر بها تحت ضغط هزيمة سنة 1967 وضرورات إعادة البناء العسكرى المصرى. منذ ذلك الحين، جرت مياه كثيرة تحت الجسور وأصبحت مصر عضوا فاعلا فى المنظمة الإسلامية، فهل الإعلان عن عمل يفترض أنه إسلامى خارجها وعلى خلاف آراء بعض من أعضائها، ومنهم من كبارها، مثل إندونيسيا والجزائر والعراق وعمان، ودعك من إيران، مما يحفظ للمنظمة دعائمها؟ العالم الإسلامى الذى يراد إعطاء انطباع بأنه موحد ضد الإرهاب يمكن أن يتفكك من جراء الإعلان عن التحالف خارج منظمته، ثم أنه قد يبدو غير جاد كله فى محاربة الإرهاب عندما تبدأ بعض من الدول الأربع والثلاثين فى التهرب مما «التزمت» به تأدبا ومجاملة أو حرصا على مصالحها.
***
من ستشمل محاربة الإرهاب؟ فى تصريحات سعودية رفيعة المستوى، هى لن تطال «داعش» وحدها بل هى ستمتد إلى تنظيمات أخرى. التساؤل مشروع. هل تمتد إلى جبهة النصرة وثيقة الصلة بالسعودية فى سوريا وغيرها من التنظيمات المرتبطة بالقاعدة فى ليبيا وفيما عداها من بلاد الشمال الأفريقى وفى الصحراء الكبرى؟ وحتى «داعش»، هل تمتد محاربتها من سوريا إلى العراق على خلاف رغبة الدولة العراقية غير المنضمة إلى التحالف؟ وماذا عن «حزب الله» الذى تعتبره المملكة العربية السعودية منظمة إرهابية؟ هل يتصور أحد أن يرسل أى بلد قوات إلى لبنان لمحاربة «حزب الله» على أرضه؟ إن انضمام لبنان المعلن للتحالف خير بيان على عدم جدية هذا الانضمام أو الإعلان عنه. سواء كنت أو لم تكن مع فكرة التحالف، وسواء كنت من خصوم «حزب الله» أو من المتعاطفين معه، فإن أى معرفة ولو أولية بالسياسة اللبنانية وبتوازناتها تكشف عن استحالة ان ينضم لبنان انضماما فعليا للتحالف، ناهيك عن أن تسمح أى حكومة لبنانية بالتدخل على أرضها «لمحاربة حزب الله»، وبعد ذلك، ماذا عن «بوكو حرام»؟ هل تطلب القيادة السعودية من مصر مثلا أو من المغرب أو من باكستان أن ترسل قوات لمؤازرة نيجيريا فى محاربتها لهذه المنظمة الإرهابية؟ على الرغم من صلاتها الوطيدة بالسعودية، رفض برلمان باكستان المشاركة فى «عاصفة الحزم» وإرسال قوات إلى اليمن فى الربيع الماضى. من دواعى السخرية المرة أنه غداة الإعلان عن تشكيل التحالف تعجبت باكستان من الإعلان عن مشاركتها فيه، كما صرحت ماليزيا بأنها لم تفهم أن «التحالف العسكرى» عسكرى!
وبخصوص اليمن، يتساءل المرء هل يراد للتحالف الإسلامى أن يخف إلى مساعدة السعودية وحلفائها فى حربهم على «أنصار الله» الحوثيين فيها. هذا تصور صعب قبوله لأنها تصبح طرفة مأسوية أن تحارب الحوثيين 34 دولة! إلا أن اليمن تستدعى ملحوظة أخرى إلى الأذهان. لقد قررت المملكة العربية السعودية فى مارس الماضى التدخل فى اليمن وجرت وراءها عشر دول شاركت بشكل فعلى أو معنوى فى الحملة التى لم تهدأ منذ تسعة شهور. وها هى السعودية تعاود الكرة وتعلن عن أنها عبأت خلفها، أو هكذا توحى، 34 دولة. هل تستطيع السعودية أن تحارب على أكثر من جبهة؟ أن تحارب فى اليمن وكذلك حيث ينشط الإرهاب فى بلد واحد أو اثنين أو ثلاثة؟ أم أن السعودية ستحارب فى اليمن وتكتفى «بقيادة» غيرها من بلدان التحالف فى أراضى دول أخرى ينشط فيها الإرهاب؟ من بين من أعلن عن انضمامهم إلى التحالف بلدان كبيرة بأحجام سكانها واقتصاداتها وقواتها مثل باكستان ونيجيريا ومصر، فهل يمكن تصور أن تترك هذه البلدان قيادتها لغيرها؟ وهل يمكن أن تقبل شعوبها ذلك؟ مرة أخرى، الإعلان عن تحالف غير مدروس قد يؤدى إلى عكس نتائجه ويكشف عما يمكن للبعض أن يعتبره ضعفا فى عزم الدول الإسلامية على محاربة الإرهاب.
***
لا ينبغى لمصر أن تسير فى هذا الركب. بعض الصحف غير الحكومية نشرت على صفحاتها الأولى خبر الإعلان عن التحالف وانضمام مصر إليه ومعه فى نفس الخبر أو فى غيره تحته أن السعودية ستوفِر احتياجات مصر من البترول لمدة خمس سنوات وأنها سترفع من قيمة استثماراتها فى مصر. اللبيب بالإشارة يفهم. هذا ليس مقبولا مطلقا. حتى وهى فى أوضاع اقتصادية وسياسية صعبة، كحالها هذه الأيام، فإن مصر لا تعدم أسباب القوة. وزنها السكانى، وعمقها التاريخى، وثراؤها الثقافى المتكوِن فى القرنين الأخيرين، وتاريخ انفتاحها على بلدان العالم فى شرقه وغربه، وسابق علاقاتها فى العالم الثالث، ونظرة العالم العربى والإفريقى والإسلامى إليها، واقتصادها المنهك حقا ولكن السباق مع ذلك فى التنوع فى منطقتينا العربية والإفريقية، هذه كلها عوامل قوة لا تنعدم تماما تحت ضغوط العجز فى الميزانية أو فى ميزان المدفوعات.
والصحافة غير الحكومية أومأت كذلك إلى أن التحالف العسكرى المعلن عنه هو «تحالف سنِى». الأغلبية الساحقة من المصريين تربأ بمصر أن تجر إلى صراعات يراد طلاؤها بصبغة مذهبية، وهى التى لم تعرف مثل هذه الصراعات من قبل، بل وهى التى كافح شعبها فى السنوات الأخيرة وما يزال من أجل التخلص من أشباح الطائفية ورفع بناء سياسى يكون فيه الدين لله والوطن للجميع. على الرغم من الدعاوى التى غذت المذهبية فى مصر فى العقد الأخير ومازالت، وللأسف، تغذيها، فإن الفرصة لم تزل متاحة لأن تلعب مصر الدور الذى لا يمكن لغيرها أن تلعبه ألا وهو رأب الصدع بين السنة والشيعة وتجنيب المنطقة بذلك ويلات صراع عبثى، عنيف ومدمِر. هذا الدور فى الوقت الراهن بالذات سيضيف إلى قوة مصر فى المنطقة وفى العالم كما لا يمكن أن يضيف أى مصدر آخر من مصادر القوة.
***
من السياسة أن تعظِم الاستفادة من أسباب القوة المتاحة لك وأن تقلِص من آثار نقاط الضعف التى تعتريك.
أسباب القوة المتاحة تسمح لمصر بل توجب عليها أن تلعب دور الدولة الأكبر فى المنطقة، تنصح وتوفِق، وتحول دون انزلاقها إلى فوضى أعم من تلك الموجودة بالفعل. هذا الدور يحتاج إلى السياسة.