لا أعرف اسم ضابط الشرطة الذى أتت به المقادير من الصعيد لينقذ فتاة من الخطف والاغتصاب فى شارع الهرم ويدفع ثمن ذلك طعنات وجروحا غائرة على يد قائد ميكروباص ونائبه.
كل ما أعرفه وأثق فيه أن هذا الضابط الشاب تلقى تربية أخلاقية محترمة فى أسرة تعرف معنى الاحترام والفضيلة، لا أعرف شيئا عن أصل هذه الأسرة وفصلها ولا أين تعيش لكنى متأكد أن هذا الشاب أقدم على المخاطرة بحياته لإنقاذ شرف فتاة انطلاقا من كونه مواطنا محترما بامتياز بصرف النظر عن كونه ضابطا من عدمه، بمعنى أنه لو كان مهندسا أو طبيبا أو مدرسا أو حتى عاملا فإنه كان سيتصرف بالطريقة ذاتها وبالدوافع ذاتها.
أما وأنه كان بالصدفة ضابط شرطة فهذا ما جعله يخرج بأقل الخسائر الممكنة فى معركة على ذلك القدر من الخطورة والشراسة مع اثنين من حكام دولة الميكروباص فى مصر، فلولا أنه أخرج مسدسه وأطلق رصاصة فى الهواء لكان الذئبان قد فتكا به قبل أن ينهشا شرف البنت المسكينة.
ووفقا للمتاح من مساحة ذاكرة كاتب هذه السطور فإن هذا الشاب ليس أول ضحية من ضباط الشرطة لجبروت طغاة دولة الميكروباص ولا أزال أذكر وسوف أظل فروسية ونبل ذلك الضابط الشهيد الذى فاضت روحه فى معركة عنيفة لإنقاذ فتاة من الاغتصاب على الطريق الدائرى قبل نحو ثلاثة أعوام، وأدرك يقينا أن ذلك الضابط أيضا جاء من بيئة أسرية نظيفة ومحترمة جعلته يوقن بأن الشرف يستحق أن نخاطر بحياتنا ثمنا له.
والحاصل الآن أن دولة الميكروباص تتوسع وتتمدد وتجور على حدود الدولة المصرية وسيادتها يوما تلو الآخر دون أن تبدى الأخيرة أية ملامح مقاومة أو ممانعة وكأنها أعجز من أن تواجه هذا التوسع الاستيطانى المريع فى الشارع المصرى.
وأظن أن الحكومة المصرية تواطأت مع قوات الميكروباص الغازية عندما قررت أن تترك مرفق النقل العام منذ سنوات طويلة عرضة للفساد والتآكل والانكماش وفتحت الباب على مصراعيه أمام جحافل الميكروباص وأسراب التوك توك حتى احتلت البلاد وأذلت العباد. حدث ذلك فى إطار انسحاب كلى للدولة
من حياة الناس عبر دروب ومسارات الخصخصة الملتوية واعتبار اسم القطاع العام من الألفاظ النابية التى يعاقب عليها القانون، وفى حدود علمى إن أعتى الدول الرأسمالية لا تزال تحتفظ بوسائل نقل عام آدمية تضفى على الشوارع شكلا اجتماعيا رائعا وتتجاور فيها جميع الطبقات..
أما هنا فى مصر فقد عمدت الحكومة إلى تحويل هيئة النقل العام إلى مؤسسات عقابية ترفع شعار «النقل تهذيب وإصلاح» ما دفع الناس دفعا إلى الاستسلام بكل خنوع لبطش حكام دولة الميكروباص إلى درجة أن سطورا كهذه ستغضب كثيرين يعتبرون أن انتقاد نظام الحكم فى «ميكروباصية مصر العربية» يعرض حياتهم للمشاكل ويعطل مصالحهم ويشل حركتهم على اعتبار أنهم وصلوا إلى حالة من الاستعذاب والتلذذ بديكتاتورية الميكروباص الذى لم يعودوا يستطيعون العيش بدونه.
وأظن أن على الدولة المصرية الآن أن تدافع عن سيادتها وترابها وأسفلتها الوطنى ولا تتركه نهبا لغزو الميكروباص.
افعلوا شيئا ليسترد الشارع المصرى بعضا من إنسانيته وتحرروا من استعمار الميكروباص وأعوانه.
wquandil@shorouknews.com