كوميديا تصنيفات جامعة القاهرة للأساتذة المرشحين لانتخابات العمادة والأقسام، دليل إضافى على أن النظام القديم لا يزال معششا فى رؤوس القيادات الإدارية، يبيض ويفقس ويتكاثر قوائم حسب الكتالوج الأمنى العريق.
والثابت أن قطاعا لا يستهان به من المسئولين عن الإدارة لايزال يقاوم بشراسة فكرة أن مصر شهدت ثورة، وأن ثورة تعنى تغييرا، وأن تغييرا يعنى تطهيرا، وأن تطهيرا يعنى بناء جديدا على أرضية نظيفة.
وما جرى فى انتخابات جامعة القاهرة، ليس جديدا، فقد تكرر منطق التصنيف ذاته عندما دعا المجلس العسكرى للقاء مع الكتاب والصحفيين بعد أسبوع تقريبا من إزاحة الرئيس المخلوع، وجاءت قوائم المدعوين تعج بما لذ وطاب من تصنيفات غاية فى الطرافة، وقيل فى ذلك الوقت إن الفرز تم بمعرفة المجلس الأعلى للصحافة، حيث وضع أمام اسم الكاتب جلال عامر عبارة «سياسى فكاهى» فيما حظى الكاتب نبيل زكى بلقب «تجمع يسارى متزن» وكان نصيب أستاذنا فهمى هويدى أنه «إخوان مسلمين»، بينما وضعت أمام معظم الكتاب كلمة «كاتب عام».
وإذا كانت تصنيفات إدارة جامعة القاهرة قد تجاوزت هذه الحدود إلى استخدام أحكام قيمية وأخلاقية من عينة «محترم ليبرالى» و«عقلانى خائف من سطوة الإخوان» و«محترم» و«اتجاهاتها غير معلومة» و«معاكس» فإن هذا المنهج، يمتد ليشمل كافة مجالات الحياة فى مصر، وليس أكثر دلالة على هذا من لعبة «الكاميرا الخفية» التى تمارس الآن على ومع الأحزاب والقوى السياسية فى موضوع قانون الانتخابات البرلمانية ونظام تقسيم الدوائر، حيث تم توجيه الدعوة لممثلى جيش جرار من الأحزاب التليدة والوليدة والجديدة والمجددة للتوصل إلى صيغة توافقية مناسبة تتعلق بشكل الانتخابات المقبلة، وحسم الخلاف بشأن النظام الانتخابى، قائمة أو فردى، وبعد انعقاد اجتماعات ضخمة وإدارة مناقشات صاخبة أسفرت عن أغلبية كاسحة مع الانتخاب بالقائمة النسبية غير المشروطة على جميع المقاعد، قرر المجلس العسكرى أن يمضى كل شىء على قديمه بلا تغيير، بحجة أن الوقت يداهمنا، على طريقة برامج التليفزيون التى تضع نهايات مفتوحة للنقاش بذريعة أن الجرس دق وانتهى الوقت وإشارة البث انقطعت وتصبحون على خير.
وأزعم أنه لو لم تنتبه القوى السياسية والأحزاب الحقيقية إلى خطورة استمرار العمل وفقا لهذا المنهج العتيق فإن ثيرانا بيضاء كثيرة سوف تؤكل تباعا، مهما تصورت أنها ستحصل على مغانم كثيرة إن هى التزمت التحرك فى المسار المرسوم لها، والرضوخ لسياسة الأمر الواقع، والاستجابة لمنطق «هذا هو المتاح وعلى المتضرر أن يخبط رأسه فى الحائط».
إن كل القوى السياسية أمام اختبار تاريخى الآن، فإما أن تتآلف وتلتئم وتناضل من أجل تشكيل لجنة توافقية مستقلة لإدارة شئون الانتخابات ووضع النظام الانتخابى الأمثل ثم عرضه للاستفتاء، أو أن ترضى بالفتات وتقبل باللعب وفقا للقواعد التى يريدها فلول النظام السابق، وتنتظر دورها لتردد أشهر المقولات العربية «لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض»
ويبقى أن الركض فى مضمار مزروع بالمسامير وقطع الزجاج المدببة نوع من الانتحار.