الاقتصاد السياسى لثورة مصر - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 10:53 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاقتصاد السياسى لثورة مصر

نشر فى : الأحد 20 نوفمبر 2011 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأحد 20 نوفمبر 2011 - 9:10 ص

هناك عدة تعريفات للاقتصاد السياسى، تدور فى أغلبها حول ديناميكيات التفاعل بين «السلطة» و«الثروة» فى دولة ما وتأثير كل منهما على الآخر. وتعبر كذلك عن طبيعة تفاعل أصحاب المال المسيطرين على الحصة الكبرى من الاقتصاد مع متخذى القرارات السياسية، أى الحكام، وأثر هذا التفاعل على مسار وتوجه هذه الدولة أو تلك.

 

ويُطرح للنقاش داخل الولايات المتحدة العديد من الأسئلة حول قضايا متعلقة بمصر مثل مستقبل العلاقات مع القوى الإسلامية الجديدة الصاعدة فى مصر، واتجاهات حكام مصر الجدد، ومستقبل حكم مصر والانتخابات، والعلاقات بين مسلمى مصر وأقباطها، والعلاقات مع إسرائيل. إلا أن النقاش حول آثار الأوضاع الاقتصادية على مسار التطور الديمقراطى المصرى يبقى الأكثر أهمية لما يتضمنه من بيانات وأرقام تعكس واقعا يبتعد عن الآراء الشخصية أو التوجهات الأيديولوجية.

 

وعلى الرغم من أن الاقتصاد لم يكن الدافع الأول أو العامل الرئيسى للثورة المصرية، أو حتى ثورات تونس وليبيا وسوريا، فإنه يبقى عاملا مهما فى زيادة السخط الشعبى على الحكام المستبدين، وهو ما سهل من انضمام الكثير من الفئات المهمشة اقتصاديا للثورة، وهو ما أدى إلى النجاح فى إزاحة مبارك والقذافى وبن على عن السلطة.

 

فى الظروف الطبيعية ينتج عن الاستقرار السياسى استقرار اقتصادى، والعكس صحيح تماما كما تشهد بذلك التجربة المصرية منذ 25 يناير الماضى. وتحسن الأوضاع السياسية سينتج عنه بلا شك تحسن كبير فى القطاعات الاقتصادية المختلفة، وستكون العوامل الاقتصادية ذات أهمية كبيرة لمستقبل ولنجاح ثورة مصر. إلا أن هناك خطرا حقيقيا على المدى القصير، إذ إن استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، وعدم توافر فرص عمل لملايين الشباب، سيعرقلان ويبطئان عملية التطور الديمقراطى وإلى بطء تحسن الأوضاع السياسية.

 

خلال الأشهر التسعة الماضية، تدهورت الأوضاع الاقتصادية فى مصر. وطبقا لما نشر فى عدة تقارير مصرية، فقد خسرت البورصة ثلث قيمتها الرأسمالية خلال الربع الثانى (أبريل ــ يونيو) من هذا العام نتيجة سحب المستثمرين الأجانب ما قيمته 5.5 مليار دولار أمريكى منها. فى الوقت نفسه هبطت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 1.8 مليار دولار عام 2010 إلى ما يقرب من الصفر هذا العام.

 

كذلك تذكر تقارير مستقلة أن احتياطى النقد الأجنبى لدى الحكومة المصرية قد هبط من 36 مليار دولار فى يناير الماضى إلى ما يقل عن 24 مليار دولار حاليا. وترى دوائر أمريكية مختلفة أن تصميم المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة المصرية على الحفاظ على ثبات قيمة الجنيه المصرى أمام العملات الدولية يكلف الخزانة المصرية مليارات الدولارات لم يعلن عنها حتى الآن.

 

أما تحويلات المصريين بالخارج والتى بلغت ما يزيد على 8 مليارات دولار العام الماضى، فقد تأثرت هذا العام بما حدث فى ليبيا وفقدان ما يزيد على نصف مليون مصرى مصدر رزقهم، إضافة لعودة مئات الآلاف منهم لينضموا لطابوا العاطلين فى مصر.

 

أما قطاع السياحة الذى يساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة فى توفير فرص لملايين المصريين، فقد شهد تدهورا كبيرا نتيجة انخفاض أعداد السائحين بنسبة 80% خلال الشهور التسعة الماضية مقارنه بنفس الفترة العام المقبل.

 

وخلال شهر يونية الماضى وصلت نسبة البطالة إلى 12% طبقا للبيانات الحكومية، وهى النسبة الكبرى منذ 1992، كما وصلت معدلات التضخم فى أسعار المواد الغذائية الرئيسية إلى ما يزيد على 20% فى نهايات أكتوبر الماضى.

 

ودفع هذا كله مؤسستى موديز، وستاندارد آند بورز، للتصنيفات الائتمانية إلى خفض رتبة الديون المصرية، بسبب عدم الاستقرار السياسى والاقتصادى وزيادة حجم الديون السيادية. ويعكس ذلك تدهور الاقتصاد المصرى، وزيادة المخاطر المرتبطة به أثناء مرحلة التحول التى تشهدها مصر حاليا.

 

وعلى الرغم من كل الإحباط من الصورة الحالية للأوضاع الاقتصادية داخل مصر، فإن بدء عملية الإصلاح الديمقراطى السياسى قد تكون بمثابة نقطة الانطلاق المناسبة بما تتيحه من محاسبة وشفافية اقتصادية غابت فى العهد الماضى، مما أثر بالسلب على الأوضاع الاقتصادية فى ظل استقرار سياسى خلال عقود الحكم الاستبدادى.

 

غياب الديمقراطية خلال عهد الرئيس السابق انعكس بالتدهور على تدهور قطاعات التصنيع فى مصر.

غياب الديمقراطية سمح بتطور القطاعات التى تؤتى ثمارها فى المدى القصير، ولا تؤثر، ولا تساهم بالضرورة فى تحسن أحوال الملايين من عمال مصر.

 

وجود الديمقراطية يجب أن يسمح بحدوث ثورة تصنيع حقيقية فى مصر، فنحن لدينا جيوش من العمالة الرخيصة إن أحسن تدريبها. ولدينا سوق كبيرة تزيد على 85 مليون مستهلك تزيد بمقدار مليون شخص كل عشرة أشهر. دول الشمال توقف معظمها عن إنشاء مشاريع صناعية كبيرة، وأحد الأسباب الرئيسية هو تكلفة العمالة، لذا نقلت الكثير من مصانع أمريكا وأوروبا إلى الصين وللهند.

 

الحكومة غير الديمقراطية فى مصر، التى لم تكن مسئولة أمام الشعب المصرى، ولم تخضع لمراقبة البرلمان سارعت بتنفيذ برامج خصخصة الكثير من مؤسسات مصر الصناعية. الآن سيكون لدينا برلمان مسئول يراقب وزارات الدولة، ولدينا ناخب يعى أن لصوته قيمة، لذا يجب أن يصب ذلك كله فى صالح الصناعة المصرية.

 

سوء الحكم فى مصر نتج عنه سوء الأحوال الاقتصادية والصناعية. الفرصة أمامنا لتصحيح هذا الوضع المعوج بدءا بإصلاح الأوضاع السياسية.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات