خمسة ملاعيب اقتصادية للاستيلاء على ثورتنا - وائل جمال - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 11:49 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خمسة ملاعيب اقتصادية للاستيلاء على ثورتنا

نشر فى : الأحد 22 مايو 2011 - 8:46 ص | آخر تحديث : الأحد 22 مايو 2011 - 1:05 م

 1 ــ الاقتصاد ينهار

 مصر ستعلن إفلاسها والاقتصاد دخل مرحلة الخطر. نائب محافظ المركزى يحذر من ثورة جياع. المجلس العسكرى يقول إن وحش الفقر سيطر على 70% من المصريين. لاشىء يمكن أن يسبب الفزع والصدمة أكثر من وضع كهذا بعد أقل من 4 شهور على اندلاع ثورة يناير؟ لكن هل هذا تقدير سليم للموقف؟ الحقيقة أن الأرقام التى أعلنت ونشرت بشكل واحد فى جميع الجرائد المصرية تتمتع بدرجة هائلة من عدم الدقة وعدم العلمية، اضطرت بعض وزراء الحكومة الاقتصاديين للتدخل بنهاية الأسبوع لتصحيح بعضها. أول الأرقام الخاطئة كما يبين الباحث الشاب محمود كمال هو رقم عجز الموازنة الذى أشير إلى أنه سيصل إلى 1290 مليار جنيه، بينما تؤكد الأرقام التقديرية بحسب وزير المالية سمير رضوان إلى أنه سيزيد فى الموازنة الجديدة ولكن إلى ما بين 155 إلى 185 مليارا أو ما بين 9.9% إلى 11.9% من الناتج المحلى. علما بأن العجز تراجع فى الفترة من يوليو 2010 إلى نهاية مارس 2011 (بما فيها شهور الثورة) من 7.2% فى نفس الفترة من العام السابق إلى 6.8%، وفقا لتقرير المالية فى أبريل. فإذا كان هناك مؤشر فى شهور الثورة يتعلق بالعجزفهو انخفاضه وليس العكس. وبالمناسبة لم يعد عجز الموازنة مقدسا كما كان قبل الأزمة العالمية بالنسبة للاقتصاديين. (العجز المتوقع فى الولايات المتحدة مثلا هو 10.9% وبدون ثورة).

وتمتد قائمة الأرقام الخاطئة إلى تقديرات الفقر، الذى لا يزيد عن 41% حتى بضم من هم على حافته، وإلى رقم الاستثمار الأجنبى المباشر الذى قيل إنه صفر. بينما رصد كمال تدفقات، فقط عبر تأسيس وزيادة رؤوس أموال الشركات فى مصر بأموال أجنبية، بحوالي 773.9 مليون جنيه فى الفترة بين ينايروأبريل 2011 . هذا ناهيك عن استثمارات معلنة ومؤكدة رسميا من شركة بريتيش بتروليوم البريطانية ومؤسسة التمويل الدولية التابعة للأمم المتحدة.

وإذا نظرنا لتقرير صادر يوم الخميس الماضى عن بنك باركليز العالمى فالتقدير الذى يقدمه لنا هو أن الآثار السلبية للفترة الأخيرة على السياحة والاستثمار الأجنبى المباشر صدمة مؤقتة ينتظر انتهاؤها «بإرساء الأمن وانتخاب حكومة جديدة». ويؤكد التقرير، وهو لمؤسسة لها نصيب كبير من تعاملات الأجانب على الأوراق المالية الحكومية المصرية، إن توازن المخاطر يميل لصالح الجنيه المصرى فى الشهور الثلاثة المقبلة. وهاهو وزير المالية يرفع توقعات النمو فى العام المالى الحالى إلى 2.6% بعدما كان التوقعات الرسمية هى ألا يزيد عن 2%.
الاقتصاد المصرى تعرض لمصاعب بسبب المعركة السياسية التى أسقط بها الشعب الديكتاتور. لكن هذه مصاعب طبيعية ومؤقتة كما حدث فى كل الانتفاضات الشعبية الشبيهة، بل إن مصاعبنا أقل بما لايقاس مقارنة بحال ثورات أمريكا اللاتينية وشرق آسيا الشعبية فى العقدين الماضيين.

●●●


2 ــ الأرقام لا تكذب

يقدم السياسيون واقتصاديوهم أرقام الاقتصاد على أنها حقيقة علمية مطلقة..مدفعية ثقيلة سياسية تخاطب فى حالتنا هذه الغريزة الأعمق عند الجنس البشري: الخوف. لكن الحقيقة أن الأرقام تكذب حتى لو كانت صحيحة. خذ عندك رقم البطالة الذى قيل لنا إنه زاد إلى 10%. الرقم فى حد ذاته استخدم هنا للقول إن أناسا فقدوا وظائفهم. لكن لكى تفهم دلالة هذا الرقم يجب أن تقارنه بما كان الوضع عليه سابقا. (مثلا فى 2005 كان 11.5% ثم وصل إلى 10.9% فى 2006، أما العام الماضى فقد كان 9.2%). يعنى هذا أن هذه النسبة أقل من سنوات نمو نظيف فى 2005 و2006 وأنها تدور حول المتوسط الطبيعى للاقتصاد فى السنوات الأخيرة. أما طريقة الحساب التى أنتجت هذا الرقم فيتحفظ عليها اقتصاديون مستقلون كثيرون فيقولون إن النسبة ستصبح أكبر من المعدل الرسمى لو تم تغيير منهاجيتها. كان هذا الكلام فى مواجهة حكومة قيل إنها تستخدم عمدا منهجا يقلل من حقيقة عدد العاطلين فى مصر.

الأرقام ليست نهائية ولا كاملة. هى محدودة بسياقها وأسبابها ودلالاتها التى تتضح بفهم طريقة حسابها ومقارنتها بالتاريخ وبالدول الأخرى وبطرق الحساب الأخرى. الأرقام سلاح ممتاز فى خدمة السياسة. لكن هل يعنى هذا تركها للخبراء الذين يعلمون دهاليزها؟

●●●


3 ــ اتركوا الاقتصاد للخبراء

هكذا يقال لنا فى الاقتصاد وفى السياسة أيضا. حان وقت عودة الجماهير للمنزل بعد أن اقتحمت عالم السياسة بثورة أسقطت ديكتاتورية 30 سنة بلا قائد ملهم ولا منظر تاريخى. اتركوا ساحة السياسة وترتيب الاقتصاد الجديد للخبراء وعودوا إلى مقاعد المتفرجين لأنكم «تفتون فيما لا تعلمون».

مع انفجار الأزمة المالية العالمية فى نوفمبر 2008، تصادف أن كانت ملكة بريطانيا تزور كلية لندن للاقتصاد LSE فاستخدمت سلطتها الملكية فى طرح سؤال بديهى وبسيط لم يستطع أى من الحاضرين فى تلك المؤسسة الأكاديمية العريقة الإجابة عليه: كيف لم تستطيعوا أن تروا أن أزمة كهذه على وشك الحدوث؟ الخبراء لا يعلمون كل شيء وربما لا يعلمون كثيرا، وهو شيء دعا كثيرين لمراجعة علم الاقتصاد برمته.

بالإضافة إلى هذا فإن الخبير أسير لمن يخدمه سواء كان قناعاته النظرية والفكرية أو الحزب السياسى الذى ينتمى إليه أو الشركة أو الحكومة التى يقدم لها الاستشارات أو يأمل فى أن يقوم بذلك لحسابها. لا يوجد فى الاقتصاد، وهو علم اجتماعى ينظم حياة البشر ويتعامل مع مصالحهم المتناقضة، رؤية فنية مطلقة. الرؤى الفنية تظللها المصالح والتوجهات والأهواء ويجب أن تؤخذ فى هذا الإطار. والحكم يبقى هو جمهور الناس. لكن هل يمتلكون الوعى اللازم؟

فلنفترض أنك ترغب فى شراء سيارة جديدة. يحكم قرارك بالأساس رغبتك وقدراتك المالية التى أنت أعلم بها من غيرك. لكنك تبدأ فى استشارة «خبراء» من كل الأصناف: أخوك المغرم بالسيارات. مجلات السيارات أو ملاحق السيارات بالصحف. تزور المعارض لتفحص بنفسك السيارات المحتملة وتستمع إلى البائع. لكن من الذى يتخذ القرار؟ هل تقبل أن أيا من هؤلاء الذين قد يمتلكون معرفة أعمق منك فى المجال سيعرف مصلحتك أكثر منك لدرجة أنك ستترك له القرار وتقبله بصدر رحب دون تدخل؟ لا أعتقد ذلك. وهذا المنطق يسرى على الشركات الكبرى. فأصحاب المال يعينون الخبراء من كل الأصناف والأشكال لاستشارتهم فنيا لكن القرار يبقى لهم. وفى المجال العام، ينبغى أن تقوم بهذا الدور الأحزاب السياسية والبرلمانات ووسائل الاعلام (المستقلة حقا والمهنية حقا لا الكسولة أو المنحازة التى تنقل على لسان المسئول أو رجل الأعمال قرآنا لم ينزل من السماء)، التى تحقق فى البيانات الرسمية وتضعها فى سياقها وتشرحها للناس من أرضية مصالح ورؤى مختلفة. أصحاب المصلحة المباشرة، أصحاب الشأن ممن أثبتوا جدراتهم بإنجاز ما لم تكن النخب تحلم به، يمتلكون فردا فردا أعلى درجات الدكتوراة فيما يخص مصالحهم، ومن ثم فهم أصحاب الرأى والقرار فى السياسة وفى الاقتصاد.

●●●


4 ــ الاستقرار الهدف الاقتصادى الأول

فى حوار مع جريدة الوول ستريت جورنال الأمريكية، قال محمد العريان الاقتصادى المصرى المرشح لرئاسة صندوق النقد الدولى تعليقا على الثورة المصرية إن كل حدث كبير غير متوقع يفتح الباب أمام «مخاطر جديدة وفرص جديدة» من وجهة نظر السوق والاستثمار. ويرد هذا على دعاة أن عدم اليقين الذى يصاحب التحولات الكبرى المفاجئة كالتى جلبتها ثورة يناير مدمر بالضرورة للاقتصاد وللإنتاج ويدفع المستثمرين للهروب.. إلخ. وبالتالى يستنتجون أن تحسن الحياة يعنى ضرورة إعادة الاستقرار بأى ثمن.

فى مقال فى مجلة فورين أفيرز الأمريكية الرصينة كتب نسيم طالب صاحب كتاب البجعة السوداء، أحد أكثر الكتب مبيعا عن الأزمة العالمية، يقول إن الثورة المصرية والأزمة العالمية تتشابهان فى أنهما نتاج إعلاء هدف الاستقرار بكبح كل تذبذب (فى أسواق المال)، وكل تغير (فى عالم السياسة). يقول طالب إن الأنظمة التى تكبح التذبذب سياسية كانت أم اقتصادية تمهد لانفجارات كبرى غير متوقعة تزيح كل ما يمكن اعتباره ثمارا للاستقرار فى لحظات داعيا لتبنى المثل اللاتينى الذى يقول «إنه يتقلب لكنه لا يغرق» ليقول إن ما يمكن أن يعده التفكير المعتاد عدم استقرار مضر قد يكون شرطا لعدم الانهيار.

●●●


5 ــ يجب وقف الإضرابات والمظاهرات فورا

هذه هى الخلاصة السياسية المستهدفة للملاعيب الاقتصادية السابقة. الإضرابات والاحتجاجات الاجتماعية للمطالبة بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمال والفلاحين والموظفين هى السبب فى الكارثة الاقتصادية المزعومة ويجب وقفها فورا. الإضرابات أنانية ومدمرة. والعمال لا يفهمون شيئا. لكن هل هذا صحيح؟ الحقيقة أنه لا يوجد لدى الحكومة أو وسائل إعلام رجال الأعمال دراسة حقيقية علمية تقول لنا مدى تأثير الاحتجاجات على توقف العمل أو فى أى قطاعات. ويتجاهل المدافعون عن هذه الفكرة تأثير الوجود الضعيف للشرطة حتى هذه اللحظة ناهيك عن قرارات اتخذها بعض رجال الأعمال، عمدا أو خوفا، بإبطاء الإنتاج أو ايقافه.

ولنأخذ إضراب الأطباء مثلا. هو إضراب التزم تماما بمعايير منظمة العمل الدولية فى الحفاظ على حد أدنى من الخدمة لحماية المرضى، هو إضراب تجاوز التمييز الطائفى والدينى إذ تقود فيه د.منى مينا الآلاف باختيار ديمقراطى مبنى على الكفاءة والاخلاص والنضالية. هو إضراب لم يشهد تخريبا لمنشأة أو جهاز. هو إضراب يطالب بتحسين شروط خدمة المرضى فى المستشفيات قبل زيادة أجور الأطباء.

أما عن أصحاب الشأن فهم يرون أن الحال أحسن. فوفقا لاستطلاع رأى قام به مركز بيو الأمريكى المستقل للأبحاث فى 25 أبريل الماضى يرى 65% من المصريين أنهم راضون عن الواقع السياسى الحالى مقارنة ب 28% فقط فى استطلاع مماثل أجرى العام الماضى.

●●●


إضرابات العمال والمهنيين والفقراء ليست عائقا أمام تحسن الأحوال. هى شرط تحسن الأحوال. لكن لأن كل قرار اقتصادى يواجه مصالح متناقضة ويخدم بعضها على حساب الآخر، فالمشكلة فى الإضرابات أنها تمد الثورة بروحها التسامحية النضالية إلى مجال العيش، لتحسين أحوال أغلبية الفقراء، فى مواجهة المصالح الضيقة للمستفيدين من النظام الاقتصادى السابق. ولذلك يجب أن تستمر.

وائل جمال كاتب صحفي
التعليقات