مستقبل مصر بين المعادلات الصفرية والإصلاحية - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:32 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستقبل مصر بين المعادلات الصفرية والإصلاحية

نشر فى : الأحد 23 مارس 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 23 مارس 2014 - 8:00 ص

ثلاثة أحداث على مدى الأسابيع القليلة الماضية أعادت السؤال المشروع عن مستقبل مصر القريب والبعيد. ربما لا تبدو هذه الأحداث كبيرة، لكن فى تقديرى قد تساعدنا فى رسم ملامح لهذا المستقبل، خاصة أن الانقسام السياسى قد طال حتى التوقع بالمستقبل بين فريق يراه بائسا وآخر يراه مضيئا فى ظل رهان كبير وتوقعات عالية فى الشارع على نجاح المشير فى انتخابات الرئاسة، ومن بعدها فى قيادة البلد غير المستقر نحو الأمن والتنمية ولا داعى لذكر الديمقراطية لأن قليلين فقط مازالوا يؤمنون بها فى المحروسة.

كانت الحادثة الأولى خاصة بإحدى الزميلات التى تقود عملا نقابيا، حينما انتقدت أداء مجلس النقابة وقررت أن يكون لها منحى مختلف عن منحى قيادات المجلس الذى رأت أنه مقصر فى حقوق أعضائه، وأنه يتصرف لا كمجلس نقابى منتخب ولكن كجهاز شبه دولاتى يضع خطوطا حمراء كثيرة فى قضايا الدفاع عن أعضائه، تم تهديد الزميلة وإصدار بيان رسمى شهر بها وهددها بالتحقيق ومن ثم الفصل، ومورس عليها فى خلال ذلك ضغوط معنوية عديدة بأسلوب «كلى عيش»!

أما الحادثة الثانية، فقد تمثلت فى منع زميلة أكاديمية أخرى من إعطاء دروس علم فى أحد المساجد الشهيرة، فكرة الدرس بسيطة تقوم على قراءة فى أعمال ابن خلدون فى علم الاجتماع، الأستاذة متخصصة، والطلبة كثيرون ومن مهن مختلفة ومتلهفون فى قراءة غير غربية للعلوم الاجتماعية بأسلوب مبسط وغير مغرق فى التنظير، وهذا هو عين ما نحتاجه فى هذه الفترة لعلنا نفهم ألغاز واقعنا المعاصر، لكن فجأة وبدون مقدمات وبعد سلسلة من المضايقات اتخذت إدارة المسجد الشهير قرارا بمنع الدرس دون إبداء أسباب موضوعية.

وأخيرا تأتى الحادثة الثالثة متمثلة فى مؤتمر رسمى لحقوقى شهير لإعلان نتائج تحقيق فض اعتصام رابعة، تحدث الرجل فيه بأسلوب دولاتى عجيب مبررا ما لا يمكن تبريره وقافزا على حقائق وأسئلة كثيرة فشل فى الإجابة عن أى منها. الغريب أن التقرير يقول صراحة إن الخطة متخيلة وأن الداخلية لم تتعاون فى إطلاعهم على الخطة الحقيقية، ورغم ذلك يبنى التقرير استقصاءه على ذلك التخيل، وينتهى بنتائج مجحفة لكل منطق وعقل ولم يكن مستغربا قطعا أن ترحب الداخلية بالتقرير وأن تعد ببذل المزيد من الجهد لتجنب اللوم مستقبلا!

•••

ربما تبدو هذه الأحداث متباعدة عن بعضها بعض الشىء، ولكن من يتأمل فيها يجد أنها تمثل ملامح من مستقبل مصر كنا ظننا أننا قد تجاوزناه، فتأميم العملين النقابى والحقوقى، فضلا عن منع النقاشات العلمية المبسطة المتجاوزة لأسوار الجامعات والمشتبكة مع تراث العلوم الإجتماعية العربية من شأنه دفع وإعادة إنتاج عجلة التطرف الفكرى والحركى وإنهاء أى أمل فى اعتماد الإصلاح عنواننا للمرحلة الحالية.

وهنا يكمن النقاش الجدى الذى لابد أن يأخذ حيزا أطول من التفكير فى مستقبل هذا الوطن، ويدور فى رأيى حول سؤالين، الأول هل صحيح أن رئيس مصر القادم والذى يعتقد بشدة أنه وزير الدفاع الحالى سيقف على نقطة البداية من مسافات متساوية من كل الفاعلين السياسيين؟ أما السؤال الثانى فهو هل مستقبل مصر سيكون بصدد معادلة صفرية (ثورية كانت أم فلولية) أم معادلة إصلاحية؟

•••

اذا أردت أن أقدم اسهاما متواضعا لوضع إجابات مبدئية على السؤالين فيمكن القول: فى الإجابة عن السؤال الأول، فليس صحيحا أن المشير سيكون على نفس المسافة من كل الأطراف، وهو على نقطة البداية، ذلك أولا لأنه فى خصومة علنية مع جماعة الإخوان وحلفائها من ناحية والتيارات الثورية الشابة من ناحية آخرى، وثانيا لأن الرجل وبحكم نشأته وخلفيته العسكرية لا يرتاح غالبا لحديث الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية ويفضل الحزم والنظام والصرامة يؤمن بقوة بنظرية المؤامرة، وكلها أمور من المتوقع أن تجعله فى خصومة مع بعض التيارات الليبرالية واليسارية والحقوقية فضلا عن قطاعات من العمال والطلاب، أما ثالثا وهو فى رأيى الأهم، أن المسافة الفاصلة بين ٣ يوليو ــ حيث أعلن عنه رسميا باعتباره الرجل القوى فى مصر ــ وبين يوم ما نعتقد أنه سينصب فيه رئيسا تم استغلالها بقوة من قبل القوى الرجعية فى الدولة للحصول على مساحات شاسعة تمكنهم من التفاوض مع الرجل لاحقا على مزيد من المكاسب كما أنها ستكبله بفرض أنه قرر أن يتخذ منحى مختلفا، ولا يمكن تفسير تمكين القوى السياسية والشبكات المالية والإعلامية والثقافية والمجتمعية المناهضة لثورة يناير فى تلك الفترة القصيرة على حساب القوى الأكثر تقدمية والتى قدمت رؤى إصلاحية بعد يناير بل والكثير منها أيد ثورة يونيو إلى أن تم التغرير به لاحقا، وأن حرب المساحات كانت مقصودة من أجل وضع الرئيس القادم فى خانة اليك وإلزامه بتقديم تنازلات واتباع سياسات مدفوعة الثمن مقدما، وإلا لماذا كل هذه المبالغات فى تقديسه وتصويره فى شكل المخلص، ولى ذراع الحقيقة من أجل تسويقه؟ لدرجة أنه فى إحدى خطبه الأخيرة أدرك تلك اللعبة فأعلنها صريحة أن رئيس مصر القادم لن يقدر على فعل كل شىء وحده؟

•••

أما فى الإجابة عن السؤال الثانى، فيبدو أننا بصدد معادلة صفرية يتصارع فيها طرفا النقيض (الدولة وحلفاؤها ضد الجماعة وأنصارها)، وهى معادلة ستزيد من قوة الطرفين وستوفر شروطا جديدة لجولة لاحقة من الصدام بين الطرفين يكون فيه مصير الإصلاحيين مجهولا أو هامشيا. وهنا يكمن الألم! معضلة هذا الوطن أن الإصلاح والمعادلات السياسية التوافقية لا تأخد أبدا فرصة، ومن ثم تذهب الرؤى الإصلاحية الوسطية هباء الرياح ويتبقى فقط الصقور أصحاب الرؤى الراديكالية الذين يعتقدون دوما أنهم على حق مدعومين بمدد إلهى لإنقاذ الوطن من الأعداء.

•••

إن النظام السياسى الذكى هو الذى يترك مساحات للتعبير والمعارضة على هامشه، وكلما اتسع نطاق هذا الهامش، زادت آمال وفرص اللاعبين السياسيين لتحقيق مكاسب ومن ثم يقبلون رويدا بشروط اللعبة السياسية ومن ثم يتحصل هذا النظام على شرعية تدريجية ومتجذرة حتى لو كانت غير معلنة، وتكمن قدرته على الإصلاح الذاتى المتواصل والتعلم من الأخطاء فى الحفاظ على هذه المعادلة الإصلاحية التى تخدمه كما تخدم الآخرين.

أما النظام السياسى الساذج، فهو ذلك الذى يعتقد أنه يستطيع تأميم كل قواعد اللعبة السياسية من أحزاب ونقابات وإعلام ومؤسسات مجتمع مدنى وحريات ورأى عام، وينخدع هذا النظام عادة بقدرته الكبيرة على تحقيق مكاسب سريعة فى وقت قصير، فيعتقد أن قدرته على كسب أو تحييد المعارضين السابقين من المتحولين أو قصيرى النظر أو أولئك الذين ترتعد فرائسهم من الخوف هو تأكيد لقوته وشرعيته، مما يدفعه للمزيد من تأميم قواعد اللعبة حتى يكون السقوط الجديد لا محالة!

•••

المقلق أننا خرجنا لتونا من تجربة قاسية دفع الجميع ثمنها نتيجة لغباء سياسى منقطع النظير لجماعتى الحزب الوطنى ومن بعدها الإخوان المسلمون، ألا يكفى هذا لتعلم الدرس؟! ألم ندرك بعد أن الرؤى الإصلاحية أفضل للجميع وأن سياسات التأميم والتخويف والترهيب والسيطرة على كل مقاليد الأمور بدفع البشر للانكسار أمام السلطة والمحافظة على أكل العيش هى سياسات فاشلة على الأجل الطويل حتى لو حققت نتائج قصيرة الأجل؟ كم من الوقت سنحتاج للخروج من تلك الحلقة المفرغة؟ ومن يقدر على كسرها؟ فى انتظار الإجابات ممن يفهم ويعى ويملك الرؤى الحقيقة للإنقاذ.

مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر