نظرة مختلفة لانتفاضة قنا - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:14 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نظرة مختلفة لانتفاضة قنا

نشر فى : السبت 23 أبريل 2011 - 10:47 ص | آخر تحديث : السبت 23 أبريل 2011 - 10:47 ص
لا أريد الغرق فى تفاصيل ما يجرى فى قنا. هناك احتجاج شعبى عارم ضد تعيين محافظ لواء ومسيحى للمرة الثانية.

هناك من يقول إن قنا «ليست حقل تجارب» أو مرتع لضابط شرطة سابق، وآخرون يرفعون لافتة «هل عقمت النساء المسلمات أن تلد لنا محافظا مسلما»، وفريق ثالث يقول هل قنا تحولت إلى وزارة البيئة أو وزارة الهجرة سابقا لا يأتى عليها سوى شخص قبطى؟ الناس أجمعت على الاعتراض ولكن لأسباب مختلفة.

بالطبع كانت تجربة المحافظ السابق مجدى أيوب سلبية، فلم يرض عنه المسلمون والمسيحيون على السواء، فقد كان أداؤه باهتا، ضعيفا، مرتعشا، خاصة إذا ما شملته المقارنة بسلفه اللواء عادل لبيب الذى أحدث نقلة حضارية نوعية فى محافظة قنا.

اللافت أن الاحتجاج على المحافظ الجديد اللواء عماد شحاتة ميخائيل بدأ سياسيا على يد مجموعة من شباب الحركات السياسية، ثم ما لبث أن ارتدى رداء دينيا بعد أن دخل السلفيون على الخط.

التنبيه إلى الاستقطاب الدينى، والدعاية الطائفية فى هذه المسألة ضرورة، ولا سيما أن هناك حالة من التمدد السلفى غير الحصيف فى الشأن السياسى لها نتائج سلبية واضحة.

ولكن من الضرورى أيضا تجاوز ما حدث ويحدث فى قنا، والنظر إلى العلاقة بين السلطة المركزية والمحافظات بصورة أعمق، لأن جذور المشكلة تتمدد فى هذه التربة.

فقد أعتاد المصريون على أن يُلقى عليهم المحافظون من أعلى، دون سابق إنذار، وأحيانا دون سابق معرفة.

وبمرور الوقت تحولت العلاقة بين المحافظ ومحافظته إلى ما يشبه ثمرة البطيخ المغلقة، تماما كالزواج، لا يعرف طرفا العلاقة بعضهم بعضا إلا بالعشرة. هناك محافظات سعدت بمحافظين أكفاء، أحبوا محافظاتهم، وأخلصوا لها، وهناك محافظات أخرى أبتليت بمحافظين بلا رؤية أو فكر، أو سابق خبرة، أو حتى احترام لأهل المحافظة. ظلوا فى مواقعهم لسنوات، ولم يتركوا بها آثرا يشهد لهم، بل ذكريات سلبية.

المشكلة أن تعيين المحافظ هو اختصاص مطلق للسلطة المركزية. وجرى العرف أن يكون المحافظون من ثلاث فئات: ضباط جيش وشرطة سابقين، رجال السلطة القضائية، وأساتذة الجامعات.

البعض يطالب الآن بانتخاب المحافظ، وهو ــ فى تقديرى ــ ليس مطلبا حصيفا، لأن المحافظ فى النهاية هو ممثل السلطة المركزية فى محافظته، والعبرة ليست بالانتخاب أو التعيين ولكن بعوامل أخرى أكثر أهمية، وهى الطريقة المتبعة فى اختيار شاغلى موقع المحافظ. هذه الوظيفة، أسوة بغيرها، لا يجب أن تظل مكافأة لضابط على المعاش، أو أستاذ جامعى قريب من السلطة، أو قاض سابق، ولكن ينطبق عليها شروط وضوابط تتيح المنافسة والشفافية.

إصلاح الأمر يبدأ ــ أولا ــ بتحديد مدة زمنية محددة للمحافظ، قد تصل إلى أربع سنوات، يُعلن قبل انتهائها بستة أشهر فى الصحف عن طلب شغل منصب محافظ، وفق شروط معينة أهمها: المؤهل التعليمى، الخبرات المحلية السابقة فى المحافظة، طرح خطة أو تصور عام لتنمية المحافظة، ثم تُشكل لجنة خماسية من وزير الإدارة المحلية، وممثل للرقابة الإدارية، وعضو بمجلس الشعب، وممثل عن منظمات المجتمع المدنى، ورئيس المجلس الشعبى المنتخب فى المحافظة التى يراد شغل المنصب بها، وتقوم هذه اللجنة بفحص الطلبات المقدمة، ووضع قائمة مصغرة بأسماء المرشحين تجرى معهم مقابلات معمقة، وفى النهاية يجرى تسمية المرشح لشغل هذا المنصب، ويصدر بتعيينه قرار من مجلس الوزراء. فى هذه الحالة لن يُلتفت إلى أية اشتراطات لشغل منصب المحافظ باستثناء التعليم والخبرة والكفاءة، دون أن يوضع «النوع» أو «الدين» فى الاعتبار.

فى هذه الحالة فإن أكفاء العناصر سوف تتولى منصب المحافظ، لأن وظيفة المحافظ هى إدارية، وسياسية، وفنية، وقد لا يتيح شغلها بالانتخاب وصول أفضل العناصر إلى هذا الموقع، لأن المسألة ليست علاقات محلية، وشعبوية، بقدر ما هى كفاءات وخبرات مهنية.

وفى تقديرى أن طريقة اختيار المحافظين غير المنبتة الصلة عن كيان المحافظة ذاته، والذى يعد هو الآخر اختصاص منفرد للسلطة تمارسه بالطريقة التى تحلو لها. تُنشأ محافظات وتصنع لها كيانات مادية ومعنوية، ثم ما تلبث أن تضمها إلى غيرها.

كل ذلك يحدث دون استفتاء للمواطنين، أسوة بما يجرى فى دول أخرى. خذ مثالا على ذلك الدنمارك، التى لا يحدث فيها تعديل فى البلديات (أصغر من المحافظات) دون عودة إلى المواطنين. حال المحافظات فى مصر لم يتغير على مدار أكثر من مائتى سنة.

أنشأ نابليون بونابرت ست عشرة مديرية، جعلها محمد على أربع عشرة، ثم أخذت فى الأزدياد دون أن يكون هناك تصور واضح. هناك محافظات ضيقة تكتظ بالسكان، وأخرى تمتلك مساحات شاسعة، وتعانى من قلة فى السكان مثل البحر الأحمر، والوادى الجديد.

غالبية المحافظات محاصرة، ليس لها ظهير صحراوى تمتد فيه مما يساعد على التهام الأراضى الزراعية، ويعوق التنمية الصناعية، ويخلق مجتمعات سكنية عشوائية غير مخطط لها.

حلوان سلبت من القاهرة رغم أنها امتداد لها، ونفس الأمر بالنسبة لمدينة 6 أكتوبر فى علاقتها بالجيزة، وبعد مرور ثلاث سنوات بالكمال والتمام عادت المدينتان إلى سابق عهدهما، وألغيت محافظتا حلوان و6 أكتوبر.

هذه مناسبة مهمة لإعادة التفكير فى تخطيط المحافظات بحيث يكون لديها فرصة للنمو، وموارد تعتمد عليها، ومشاركة المواطنين المحليين فى شئونها.
سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات