لم تفاجئنى آراء الدكتور عصام العريان القائم بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة (حزب الإخوان) عن اليسار المصرى، فتلك هى طبيعة الرجل: كلما اتسع فارق النقاط بين فريقه والفرق الأخرى، هتف من أعماق حنجرته «قاعدين ليه».. أما إذا استشعر خطورة من خصم عنيف فإنه يستدعى خطاب الاصطفاف والائتلاف والتوحد.
ومنذ الحادى عشر من فبراير 2011 والرجل يتنقل من أرجوحة الثورة إلى كرسى عجلة الإنتاج وشلتة الاستقرار.. فإذا مضت الأمور على هواه ــ كما حدث فى انتخابات البرلمان ــ تحدث العريان بحكمة الشيوخ ورجاحة الناضجين عن ضرورة إنهاء فقرة الثورة والتظاهر فى الميادين.. وإذا هبت رياح عكسية فلا مانع لديه من ارتداء «يونيفورم الثورة» والهتاف «يسقط حكم العسكر».
وبهذا المعيار كان اليسار والليبراليون رائعين ووطنيين وأنقاء وأتقياء حينما لجأ إليهم الدكتور محمد مرسى وجماعته لتشكيل جبهة وطنية تتصدى لمحاولة اللعب فى نتائج الانتخابات وفرض الجنرال شفيق رئيسا بالقوة.. هذه الجبهة التى أعلن الرئيس مرسى فى أول لقاء بأعضائها بعد تنصيبه رئيسا أن ما قامت به أحبط كل مخططات التلاعب والمراوغة ووجه رسالة شديدة القوة للخارج والداخل وأسهمت وقفتها المبدأية فى تأمين وصول مرسى إلى موقعه الرئاسى.
وكما يعلم العريان وجماعته فهذه الجبهة تضم طيفا واسعا من اليساريين والليبراليين وقد فعلت ذلك من أجل ثورة المصريين، وليس تزلفا من سلطة أو طمعا فى مناصب أو مواقع فى القصر، ولم يقع أعضاؤها فى غواية الاقتراب من السلطة ــ إلا قليلا ــ وبناء عليه فإن على العريان لو كان متمسكا برأيه فى اليساريين والليبراليين باعتبارهم متمولين خارجيا ومحتقرين للدين أن يوجه كلامه للرئيس مرسى، ويطعن فى شرعية وصوله للحكم لأنه استعان بأشخاص من هذه النوعية التى يمقتها العريانون.
وإذا كان من حق العريان أن يضع نفسه فى أى موقع يحب، حتى لو قرر أن يستولى على تركة الجنرال الروينى، والذى كان أول من استخدم هذا الخطاب الأجوف فى مواجهة القوى والحركات الثورية.. وأن ينصب نفسه «روينى العصر الجديد» فقد كان واجبا عليه أن يقدم للرأى العام أدلة ووثائق اتهامه لعموم اليسار بتلقى تمويل من الخارج واحتقار الدين فى الداخل.
صحيح أن بعض المنتمين لليسار المصرى يعانون أمراضا سياسية وقيمية مزعجة، إلا أن الواقع يقول أيضا إن بعض المنتمين لما يسمى تيار الإسلام السياسى مصابون بما هو أخطر وأكثر كارثية.. وإذا كان التعميم الأعمى واردا من مشجع متعصب لأحد الفرق، فإنه لا يليق بشخص يجلس مؤقتا على قمة حزب الأغلبية.
وعلى ذكر أمراض اليسار ففى اللحظة التى طالعت فيها تصريحات العريان قرأت عجبا بقلم الدكتور سعد الدين إبراهيم اليسارى المتقاعد فى الزميلة «التحرير» بذهابه إلى أن الثلاثى (عكاشة وشفيق وساويرس) «هم فرسان الدولة المدنية»، حيث يقول نصا «لا ينتمى الثلاثى (شفيق ــ عُكاشة ــ ساويرس) إلى نفس الحزب أو التيار السياسى. ولكن كلا منهم، مُستقل وفى دائرته، أظهر فعالية كبيرة، وحقق إنجازات ملموسة، وأحرز شُهرة واسعة. والمُشترك الأساسى بين هذا الثلاثى هو إيمانهم الراسخ بالدولة «المدنية»، ومُناهضتهم «للدولة الدينية».
وسأترك لك التعليق على هذا الكلام المثير للشفقة، غير أننى لا أستطيع أن أقمع هتافا يتردد فى أعماقى «الشعب يريد تطهير اليسار».