2024.. عام الانتخابات.. ومصير الديموقراطية! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:54 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

2024.. عام الانتخابات.. ومصير الديموقراطية!

نشر فى : السبت 23 سبتمبر 2023 - 8:50 م | آخر تحديث : السبت 23 سبتمبر 2023 - 9:50 م
يفصلنا عن العام الجديد أسابيع محدودة، وبينما كان عام ٢٠٢٣ هو عام الترقب والأزمات الدولية والإقليمية، فإن العام المقبل سيكون عاما مفصليا فى مصير الديمقراطية كما نعرفها ــ أو لا نعرفها ــ منذ نهاية الحرب الباردة وانطلاق ما يعرف بالموجة الثالثة للتحول الديموقراطى!
صحيح أن هذه الموجة الثالثة بدأت مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضى عندما تخلصت إسبانيا من الحكم العسكرى للجنرال فرانكو، وتلاها موجة من التحولات المشابهة فى دول أمريكا اللاتينية ولا سيما فى الأرجنتين والبرازيل وتشيلى بالإضافة إلى التحول الديموقراطى وإنهاء الحكم العسكرى فى كوريا الجنوبية، إلا أن هذه الموجة الديموقراطية تأكدت خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفيتى مع بداية التسعينيات وتحول عدد كبير من دول شرق أوروبا بالإضافة إلى عدة أنظمة أخرى فى آسيا وأمريكا اللاتينية وبعض الدول الأفريقية إلى اعتماد نظم ديموقراطية متباينة فى درجة مؤسسياتها وليبراليتها، ولكن أصبحت الديموقراطية منذ ذلك الحين، هى لغة السياسة والاقتصاد والأمن والتفاوض الدولى والإعلام والأكاديميا فى معظم دول العالم فى شرقه وغربه، ولم تستثن من هذه الموجة الديموقراطية سوى عدة دول محدودة كان من ضمنها بالطبع الدول العربية!
رغم أن بعض الدول والشعوب العربية كتب لهم تذوق موجة الديموقراطية مع الثورات العربية فى ٢٠١٠ــ٢٠١١، إلا أن هذه التجربة لم تدم كثيرا فتراجعت كل الدول العربية تقريبا عن اتباع نظم ديموقراطية ليبرالية أو حتى مؤسسية ولا سيما فى تونس وليبيا ومصر، وتراجعت معها الديموقراطية التركية، بل وحتى طالت هذه التراجعات الديموقراطية المعطوبة أصلا فى إسرائيل، لتعود السلطوية بقوة إلى معظم دول المنطقة، بل وفى شكل أشد شراسة وفتكا عن ذى قبل!
لم يكن انحسار الديموقراطية العربية والشرق أوسطية وما نتج عنها من حروب أهلية وانتشار للعنف السياسى وجماعات الإرهاب بالإضافة إلى قضايا الهجرة واللجوء إلا واحدا من أهم مسببات موجة انحصار الديموقراطية الليبرالية حتى فى الدول الغربية وانتشار التيارات الشعبوية ولا سيما فى الولايات المتحدة ودول أوروبا الشرقية!.
ومع انتشار وباء كورونا ثم الحرب الروسية ــ الأوكرانية، فإن هذا التراجع الديموقراطى قد تأكد فى الكثير من دول العالم وخصوصا مع تزايد الأزمات الاقتصادية مما أعطى المزيد من الدفع للنظم الشعبوية وخصما من رصيد الديموقراطية لدى العديد من شعوب العالم!
• • •
لكننا وبعد أسابيع قليلة سنكون أمام عام تحديد مصير الديموقراطية الليبرالية فى مقابل الشعبوية والسلطوية بشكل كبير، حيث يشهد عام ٢٠٢٤ انتخابات فى ٥٤ دولة معظمها على المستوى العام (السلطة التنفيذية والتشريعية)، وبعضها على المستوى المحلى! ولذلك من المتوقع أن يكون العام المقبل مصيريا فى تحديد مستقبل الديموقراطية حول العالم ومدى التزام الشعوب والحكومات بها وبمبادئها ومؤسساتها!
فى القارة الأفريقية من المنتظر أن تشهد تسع دول أفريقية انتخابات رئاسية، يتقدمها مصر وتونس والجزائر ورواندا وموريتانيا ومالى وغانا بالإضافة إلى انتخابات برلمانية من المنتظر أن تجرى فى جنوب السودان وجنوب أفريقيا، وغانا وموزمبيق وناميبيا!
قطعا تعرف القارة السمراء خبرات مؤسفة فى العمليات الانتخابية، فتحديد موعد لإجراء الانتخابات لا يعنى بالضرورة إجراءها، فالحروب الأهلية، والانقلابات العسكرية دائما ما هددت الاستقرار فى القارة من جنوبها إلى شمالها بلا استثناء!
وفى الأمريكتين سنكون على موعد مع عدة انتخابات عامة (برلمانية أو رئاسية أو كلاهما) بالإضافة إلى انتخابات المحليات والمقاطعات فى كندا والبرازيل والمكسيك وبنما والأوروجواى وفنزويلا والسلفادور والدومينيكان بالإضافة قطعا إلى الانتخابات الأهم عالميا وهى تلك التى تجرى فى الولايات المتحدة نهاية العام القادم!
أما فى آسيا، فتجرى الانتخابات فى الهند وباكستان وبنجلاديش وأندونيسيا وكمبوديا، وتايوان، وكوريا الجنوبية، وسيريلانكا! أما فى القارة الأوروبية فمن المنتظر أن تجرى الانتخابات العامة أو المحلية أو كلاهما فى عشرات الدول يتقدمها كرواتيا وبلجيكا وألمانيا والنمسا ورومانيا وإسبانيا وبريطانيا بالإضافة إلى روسيا وأوكرانيا! هذا فضلا عن أنه وفى نفس العام، ستجرى الانتخابات الفيدرالية وانتخابات المقاطعات فى أستراليا!
رغم أنه وبطبيعة الحال سيكون التركيز كالعادة على الانتخابات الرئاسية بالإضافة إلى انتخابات الكونجرس فى الولايات المتحدة، إلا أن الانتخابات العامة التى ستجرى فى القارات الخمس ستكون محددة وبشكل كبير لشكل النظام العالمى المأزوم اقتصاديا والمستقطب سياسيا والمتحفز عسكريا وأمنيا خلال السنوات القادمة!
• • •
تظهر العديد من المقاييس العالمية للديموقراطية التهاوى الكبير فى مؤشراتها خلال السنوات العشر الأخيرة، وخصوصا بعد انتشار وباء كورونا، ورغم بعض التحسن النسبى فى هذه المؤشرات عالميا بعد انحسار الوباء، إلا أن الحرب الروسية الأوكرانية قد ألقت بظلالها على مستقبل الديموقراطية وخصوصا فى ظل استمرار الأزمات الاقتصادية عالميا وتراجع معدلات التشغيل وتزايد البطالة فى الكثير من دول العالم!
من ثم، يرى الكثير من الخبراء أن العام المقبل سيكون ليس فقط محددا لمستقبل الديموقراطية (بشكلها الليبرالى المعتمد غربيا منذ الحرب العالمية الثانية) والاستقرار العالمى، ولكنه سيكون محددا أيضا لفرص انتشار الشعبوية والسلطوية عالميا! فمن خبرات الحربين العالميتين اللتين شهدهما القرن العشرون، فإن شكل الأنظمة السياسية وطبيعة الحكم فيها تتأثر بالظروف الاقتصادية وبثقافة ومزاج الشعوب، وتؤثر بدورها على الاستقرار الدولى! وبعيدا عن الأسباب المباشرة لاندلاع الحربين العالميتين، الأولى (١٩١٤ــ١٩١٨)، والثانية (١٩٣٩ــ١٩٤٥)، فإن العديد من علماء السياسة يربطون بشكل مباشر بين طبيعة الأنظمة السياسية وبين مدى انتشار الاستقرار والسلام الدوليين، مفترضين، أن انتشار النظم السياسية الديموقراطية يؤدى إلى انتشار الاستقرار والسلام، أما غيابها أو انحسارها فيؤدى إلى انتشار الحروب والصراعات!
رغم أن هذه النظرية فى العلوم السياسية تتعرض للكثير من النقد، إلا أنها تظل لها وجاهتها فى تفسير الاستقرار والسلم على الأقل على مستوى النظام الدولى! بعبارة أخرى، فإذا ما سلمنا بعيوب هذه النظرية ولكننا قررنا اعتمادها على الأقل لتقديم تفسير جزئى لشكل النظام الدولى ومدى استقراره، فلن يكون من الخطأ تماما الاعتقاد بأن شكل ونتائج الانتخابات فى العام المقبل سيكون أحد محددات استقرار أو اهتزاز الأمن العالمى ومن ثم تحديد إمكانية اندلاع حروب عالمية أو إقليمية فى المستقبل.
أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر