تحدثت فى هذا العمود من قبل عن أولى الخطوات التونسية فى طريق بناء مؤسساتها التى سيتم بموجبها اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية المؤلّفة من 218 عضوا التى ستعيد كتابة دستور البلاد اليوم. وستقوم هذه الجمعية باختيار رئيس مؤقت وبرلمان مؤقت. وعلى الرغم من الحماسة، لا تزال هناك تحدّيات تهدّد مصداقية الانتخابات. يقول الباحث والناشط والمثقف التونسى صلاح الدين الجورشى، «المعضلة هى محدودية ثقافة معظم التونسيين السياسية، وقد يصدمه جهْل العديد منهم بطبيعة المهمّة التى تنتظرهم، حيث لا يزال الخلْط قائما بين خصوصيات المجلس التأسيسى وطبيعة المؤسسات البرلمانية».
ويخشى الجورشى من الصيغة السائدة حاليا فى تونس لأن العملية أحادية تماما والخطاب السياسى لعديد من الأحزاب جعلهم يتصورن أن نتائج الانتخابات القادمة محسوبة لصالحه وبالتالى سيضعون دستور البلاد القادم منفردين لمجرد حصولهم على الأغلبية. كما يظن بعضهم أنه من مصلحتهم إطالة مدة المجلس الوطنى التأسيسى إلى أجَل قد يبلغ لدى البعض خمس سنوات. وفى ذلك منزلق خطير، حسب وجهة نظر الكثيرين، الذين رأوا فى ذلك إطالة لحالة اللا شرعية التى تهدِّد استقرار البلاد وقد تفتح المجال للمجهول.
الخوف الحقيقى عند الكثيرين من السياسيين الليبراليين والعلمانيين التونسيين هو أن حركة النهضة الإسلامية والمحسوبين على التيار الإسلامى يبدون وكأنهم الأكثر استعدادا لانتخابات الجمعية التأسيسية. ولكن المعضلة أن هذه الجمعية ستضع الدستور منفردة بعد تشكيلها وبدون استفتاء للشعب التونسى.
لكن التخوّف الرئيسى يتمثل فى ما عبَّر عنه أستاذ القانون الدستورى قيس سعيد، الذى اعتبر أن «المجلس التأسيسى سيكون منتخَبا من طرف عدد قليل من الناخبين، وإذا كانت له مشروعية، فإنها وهمية وشكلية».
تساءلت هل تونس عندها استقرار أكثر من عندنا لأنهم اختاروا مسار «الدستور أولا» أو أنهم طبقوا قانونا يمنع أعضاء التجمع الدستورى الحاكم فى عهد بن على من الترشح فى الانتخابات العسكرية؟
الحقيقة أن وضع تونس ليس أفضل من مصر من حيث عدم الاستقرار وعدم اليقين والخوف المشروع والمتوقع على مستقبل البلاد. صرح مؤخرا رئيس حزب النهضة الاسلامى راشد الغنوشى فقال فى مقابلة بأن «الوضع فى تونس خطير» وأن التونسيين «يشكون فى مصداقية الحكومة» الانتقالية.
كل هذا أدى إلى أن تكتب إحدى الصحف أن «المسار الانتقالى فى تونس مُهدّد مع استمرار الاحتقان والفلتان الأمنى».
بل الطريف أن بعض السياسيين العلمانيين، اعتقدوا أن حظر العمل السياسى لمدة خمس سنوات على أعضاء التجمع الدستورى الديمقراطى الحاكم فى تونس، هو جزء من مؤامرة تسليم السلطة لحزب النهضة وأعوانه.
بل إن محسن مرزوق الباحث التونسى والناشط الحقوقى الشهير يقول: «هناك ثقافة غير ديمقراطية تهيمن على تونس». وأوضح أنه يعتقد أن النخب المصرية أكثر تجربة وحنكة وحكمة من أغلب النخب التونسية.
إذن المخاض الصعب عند الجميع لأنها آلام ولادة ومخاض صعب، لكنه لازم وضرورى وسينتهى قريبا. وكم كنت أتمنى أن يكون المجلس العسكرى أكثر التزاما بالجدول الزمنى الذى نتج عن الاستفتاء حتى تستفيد الأحزاب الجديدة وشباب الثورة من زخم اللحظة الثورية. كل التوفيق للأصدقاء فى تونس.