أعتقد أن خسارة الأهلى ونجاته فى الإسماعيلية، تستحق وقفة أكبر من فوز الزمالك على المصرى فى الوقت الضائع، ونجاته هو الآخر من خسارة كانت قريبة فى الشوط الأول.. أو خسارة نقطتين بالتعادل على أرضه!
نبدأ بالنجاة الأولى.. فقد كان الشوط الأول من مباراة الأهلى مع الجونة كافيا لإثارة العاصفة التى ثارت بعد الخسارة أمام الإسماعيلى.. وكان أداء حامل اللقب منذ بداية الموسم كافيا لإثارة كل التساؤلات المطروحة اليوم.. وقد انتقدنا مستوى الأهلى فى أكثر من موضع، وفى أكثر من مباراة.. إلا أن تفسير النقد واختصاره فى «حتمية إقالة البدرى»، هو قصر نظر..
وصحيح هو مسئول عن إدارة الفريق وتشكيله، وقد وقع فى أخطاء عميقة ومؤثرة، منها القدرة على إدارة النجوم، والتشتت فى التشكيل والاختيارات، وآخرها وضع لاعب ناشىء مثل محمد عبدالفتاح تحت اختبار صعب جدا، إلا أن مشكلة الفريق أعمق من ذلك، وتتعلق بأسلوب أداء، وجماعية غائبة، ومفاتيح لعب أساسية مصابة، والمشكلة أعمق من اختصارها فى قدرات حسام البدرى، لأنها تتعلق أيضا بترابط اللاعبين، وبسرعات مفقودة، وبمهارات غائبة، وبمراكز معدومة.. فمن ينجح وسط هذا كله؟
لا شك أن استقالة البدرى أراحته من ضغوط البطولة وتدريب البطل، وضغوط الجماهير.. كما أن تلك الاستقالة أراحت الإدارة والجماهير واللاعبين.
يتحمل جزءا من الأزمة أيضا عبقرى التدريب البرتغالى مانويل جوزيه، (العبقرية صفة حقيقية.. وكثير من العباقرة ينقصهم أشياء) فعندما حصد جوزيه البطولات ولم ينازعه فيها أحد كان عليه أن يرسم خطوط الأهلى فى المستقبل، ويجدد الدماء بفرص وبمواهب حقيقية، ففى وقت الانتصارات يكون التطوير أفضل كثيرا من أن تفرضه الانكسارات والهزائم..!
نجا الأهلى من هزيمة كبيرة فى الإسماعيلية.. وهو أمر وارد حين تواجه أفضل فريق بالدورى بما يضمه من عناصر ومواهب مثل الإسماعيلى، لكن الأهلى نجا بمعجزة من خسارة كبيرة أمام فريق الجونة الصاعد حديثا للدورى الممتاز. نجا من أربعة أهداف كان يجب أن يسجلها وحده أحمد حسن دروجبا، مع الاعتذار لدروجبا.. هذا بخلاف مباريات أخرى حقق الفريق فيها الفوز بشق الأنفس، أو تعادل فيها بأعجوبة.
كان بمقدور الإسماعيلى أن يصنع فوزا تاريخيا على الأهلى فى الشوط الأول الذى تفوق فيه تماما، وبدا خلاله المدير الفنى مارك فوتا كأنه صاحب مهارات تكتيكية مبدعة، حتى لو لم يقصد ذلك.. الفريق يلعب بنزعة هجومية، ومجموعة الهجوم تضم جودوين وأحمد على وعبدالله السعيد، وعبدالله الشحات، وأحمد سمير فرج، وأحمد صديق، وهؤلاء يشنون الغارات المتتالية من عدة اتجاهات.. ويراقب ملايين المشاهدين هذا المستوى ويتساءلون: أين يكون فى مواجهة الفرق الأخرى؟
الإسماعيلى فريق له طابع لعب لم يتغير منذ 40 عاما.. وهو طابع يصنعه التدريب، وتصقله المهارة والموهبة.. فهذا الأسلوب البرازيلى يحكمه «تمرير الكرة وتبادلها فى اللحظة الأخيرة».. ولاحظ ذلك، تخرج الكرة من قدم الدرويش، إلى زميله الدرويش، عندما يضغط الخصم تماما، وهو ما يسمى التمرير من جهة القدم الثابتة.. وهذا الأسلوب يمتلكه أصحاب المهارات فقط.. من ميسى ومارادونا إلى عبدالله السعيد والشحات..(ليست تلك مقارنة)..
فى المباراة تفوق الدراويش، وصنعوا المساحات، وجروا، وجرى خلفهم لاعبو الأهلى.. ولكن بقيت المشكلة.. لم يستغل الإسماعيلى الفرصة التاريخية التى أتيحت له، وبقيت أيضا مشكلة الأهلى قائمة حتى لو كان حقق التعادل.. فالفريق يعانى فى أدائه منذ بداية الموسم التالى:
(1) لا يوجد به رءوس حربة أو مهاجمون يلعبون داخل الصندوق. وكان يمتلكهم سابقا. حيث كان الفريق يتميز بكثرة مهاجميه داخل منطقة جزاء المنافس، كما افتقد الأهلى البدلاء فى مراكز أساسية، خاصة مع تغيير طريقة اللعب إلى 4/4/2، ومن أهم ما فقده، الظهيران الأيسر والأيمن، فمع غياب معوض لا يوجد بديل، بينما لا يحب أحمد فتحى اللعب فى مركز الظهير، فهو مركز يخنقه، ويصيبه بالعصبية..!
(2) تمركز خط الوسط فى الدفاع أفقد الأهلى الدعم الهجومى الحقيقى، فعندما يلعب عاشور وغالى أو غالى وإينو ولا يتقدمان ولا ينقلان الكرة بالتمرير إلى ملعب المنافس فتلك مشكلة.. ثم إن مفهوم لاعب الوسط تغير، فهو يستقبل الكرة ويمررها ويتحرك فى مساحة، أو يبدأ هجمة. ولم يعد دوره مفسدا فقط، ولكنه أصبح مبدعا، ومبادرا، وحين يفتقد أى فريق للإبداع والمبادرة.. يصبح فريقا عاديا..
(3) لم تعد هناك تلك المساندة من جانب اللاعبين، فقد يضغط بركات فى جبهته، ولكنه يضغط وحده، وقد يضغط شريف عبدالفضيل فلا يجد لاعبا فى ظهره. وراجعوا مباريات الأهلى فى سنوات سابقة ثم شاهدوا مبارياته الأخيرة..
(4) التحركات بدون الكرة.. إنها أيضا معدومة تقريبا..
وشرحنا من قبل فى مقال كامل قصة «أبوتريكة واختياراته الخمسة».. فهو فى فترة من الفترات كان يستلم الكرة ويجد أمامه خمسة اختيارات للتمرير على الأقل، بركات، فلافيو، متعب، معوض، أحمد حسن، شوقى، وكان هؤلاء يصنعون مساحات وثغرات بتحركهم، وكان أبوتريكة يسرع بالتمرير، وتؤثر تمريرته.. بينما هو اليوم يفتش عن زميل حين يتلقى الكرة كما يفتش عن إبرة فى كومة قش.. وأضرب المثل بأبوتريكة لأنه حديث شارع الكرة المصرية، والواقع أن ما ينطبق عليه يسير على زملائه أيضا.. كلهم يبحثون عن تلك الإبرة فى كومة القش!
هذا عن نجاة الأهلى أمام الإسماعيلى.. وهذا أيضا مجرد إشارات لما يعانيه الفريق..
ماذا عن النجاة الثانية.. نجاة الزمالك أمام المصرى فى الشوط الأول، وذلك باستدعاء إرادة الفوز فى الشوط الثانى وبتغييرات حسام حسن التى اتسمت بالمغامرة والجرأة الهجومية؟
كانت المفاجأة أن المصرى لعب بندية وقوة، وجماعية، وشكلت عناصره تهديدا مستمرا لمرمى عبدالواحد السيد.. تغير أداء المصرى هذا الموسم تحت قيادة مختار مختار.. الفريق يبادر، ويهجم، ولا يعنيه موضع المنافس فى الجدول، أو موقع المباراة.. وهكذا استمتعنا بأداء جماعى من جانب لاعبى المصرى بقيادة أحمد مجدى الذى لعب فى مركزه الجديد (وبراءة الإختراع لمختار مختار)، كلاعب محورى فى قلب منطقة الهجوم، وبذل أحمد مجدى جهدا خرافيا على مدى الساعة، حتى وصل لمرحلة الإنهاك فخرج.. لكنه كان قد صنع لنفسه ولزملائه عدة فرص محققة للتهديف، لكنها لم تستغل، وبدا فى بعض الأوقات أنهم يرون جسد عبدالواحد السيد مثل «قارورة بولينج» كما تترجم فى أفلام أنيس عبيد، حيث يسددون دائما نحو عبدالواحد..
تألق من المصرى أيضا فى الشوط الأول.. محمود عبدالحكيم، وسيسيه، وعبدالسلام نجاح، وأحمد شديد قناوى، ولعب الفريق بتوازن مدهش دفاعيا وهجوميا.. ولم يكن الزمالك يتوقع تلك المبادرة من جانب المصرى فظل 45 دقيقة حائرا ومشتتا وغير قادر على التعامل مع سيطرة الفريق الضيف على وسط الميدان وعلى الملعب.
فى الشوط الثانى تذكر لاعبو الزمالك أنهم يخوضون شوطا مصيريا لاسيما بعد هزيمة الأهلى.. وأجرى حسام حسن تغييرات مؤثرة تمثلت فى الدفع بحازم إمام الذى لعب فى الدقيقة 44 من الشوط الأول بدلا من علاء على، وحازم إمام يؤكد أن المهارة اليوم فى كرة القدم تبدأ بعنصر السرعة، فهو يذكرنا بأحد أبطالنا السابقين فى أفلام ديزنى (سبيدى جونزاليس).. هو يجرى بسرعة لدرجة أنك لاترى قدميه..
تحول الصراع فى المباراة بين حسام ومختار إلى صراع شطرنج.. تغييرات فرضتها إصابات على مختار فخسر لاعبين مهمين وهما عبدالسلام نجاح ومحمود عبدالحكيم. بينما يدفع حسام بكل صاحب نزعة هجومية بجواره. دفع بكونيه وبمحمد إبراهيم.. وعلى الرغم من توازن المصرى، فى الشوط الأول وخطورته، إلا أنه تراجع فى الشوط الثانى.. باعتبار أن «نقطة تعادل فى اليد أفضل من فوز على الشجرة».. والسؤال التقليدى هنا هو: هل تراجع المصرى باختياره وبإرادة لاعبيه حفاظا على النقطة أم أنه تراجع بضغط الزمالك؟
أجزم بأنها الثانية.. فقد لعب أصحاب القميص الأبيض نصف ساعة بجد، وكان هدف الفوز فى الوقت الضائع وراء اشتعال الفرحة فى مدرجات الفريق.. وفى أوساط الجهاز الفنى واللاعبين.. المشهد كان يقول إنها فرحة الفوز بالدورى!