دخلنا المرحلة الثالثة من مراحل الثورة وهى البدء فى إقامة مؤسسات بديلة عن المؤسسات التى تمت الثورة عليها. هذه لحظة كنت أتمناها قريبة وشاء القدر أن تكون بعيدة بسبب تقدير البعض بحاجتنا لتأجيل الانتخابات، وقد كان.
وللتذكرة فمنذ نهاية فبراير وكاتب هذه السطور يوضح فى مقالاته أن الثورة الناجحة (إن كانت ناجحة) تمر حتما بخمس مراحل. المرحلة الأولى هى تدمير المؤسسات القديمة والأشخاص الذين أقاموها أو شغلوها أو أساءوا استغلالها، وإن كان القضاء على الثقافة التى أنتجت هذه المؤسسات وتلك التى نتجت عنها تأخذ وقتا أطول.
والمرحلة الثانية هى مرحلة الرومانسية الثورية والتى ترتفع فيها التوقعات ويحاول فيها المواطنون أن يترجموا مطالبهم إلى نتائج مباشرة على حياتهم التى طالما عانوا فيها من ظلم النظام السابق وسوء تقديره. والمرحلة الثالثة تنشأ تحديدا من أجل مواجهة هذه التوقعات، ولهذا تكون هى محرلة بناء المؤسسات البديلة. ما يغيب عنا عادة هو أن الاستجابة لهذه التوقعات المتزايدة تتطلب فى ذاتها مؤسسات قادرة على الاستجابة لها. وعلى رأس هذه المؤسسات، «المؤسسات التمثيلية» من أحزاب، ونقابات مستقلة ومنتخبة ديمقراطيا، وبرلمان يحظى بشرعية ممن انتخبوه بغض النظر عن تشكيله، ثم سلطة تنفيذية تحظى بثقة هذا البرلمان. إنشاء هذه المؤسسات يؤدى إلى المرحلة الرابعة وهى مرحلة «الواقعية الثورية» حيث ينعكس نشأة المؤسسات على سلوك المواطنين بأن هناك آليات للتفاوض الجماعية وأن هناك خطة لإدارة موارد الدولة ومرافقها على نحو يحقق الصالح العام. وتتراجع نزعة البعض لرفع شعارات من قبيل «أنا الشعب» أو «الشعب يريد» لأن الشعب له نوابه المنتخبون والذين يمكن التفاوض معهم والوصول إليهم والضغط عليهم إن دعت الحاجة.
أما المرحلة الأخيرة فهى مرحلة استقرار المؤسسات وهذا ما لا يحدث إلا إذا نجحت المؤسسات فى القيام بمهامها ويكون لدى الناس يقين أن الثورة بدأت تؤتى ثمارها وأن من يحكمونهم لا يفعلون ذلك لمصالحهم ولكن لمصالح من انتخبوهم.
مجلس الشعب الجديد لابد أن يعطى الفرصة كاملة، وبغض النظر عن تعليقاتنا على جلسته الافتتاحية وبغض النظر عن رضانا أو سخطنا على تشكيله، فقد كان ميلاده كالولادة القيصرية التى سالت فيها دماء أكثر مما ينبغي. ولنتذكر أنه باستثناء الخمسة بالمائة المحسوبين على الحزب الوطنى، فإن 95 بالمائة من أعضائه مدينون للثورة ولدماء شهدائها وللشعب المصرى كله الذى تحمل الكثير من أجل هذه اللحظة، ويتوقع منهم الكثير بعد أن مكنهم من واحدة من أهم مؤسسات دولته الجديدة.
أعان الله نواب الشعب على ما هم مقبلون عليه ونسأل الله لهم الإخلاص والسداد والقبول.