اليونان باعتبارها ضحية - بول كروجمان - بوابة الشروق
الخميس 4 يوليه 2024 6:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اليونان باعتبارها ضحية

نشر فى : الأحد 24 يونيو 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأحد 24 يونيو 2012 - 8:51 ص

منذ أن بدأت خطوات اليونان تتعثر، كثر الحديث عن الأخطاء الواردة فى كل ما هو يونانى. وإذا كان بعض هذه الاتهامات صحيحا، فإن بعضها الآخر باطل ــ لكنها جميعا غير متعلقة بجوهر الموضوع. صحيح أن هناك إخفاقات كبيرة فى اقتصاد اليونان وسياستها، وبلا شك فى مجتمعها أيضا. لكن لم تكن هذه الاخفاقات السبب فى الأزمة التى تعصف باليونان الآن، وتهدد بالامتداد إلى أنحاء أوروبا.

 

●●●

 

تكمن جذور هذه الكارثة على مسافة أبعد إلى الشمال، فى بروكسل وفرانكفورت وبرلين، حيث أنشأ المسئولون نظاما ماليا معيبا فى عمقه ــ وربما كان مهلكا، ثم ضاعفوا مشكلات النظام بمواصلة استخدام المواعظ فى التحليل. لذا ينبغى أن يأتى حل الأزمة من نفس الأماكن، إذا كان ثمة حل لها.

 

وبالنسبة لإخفاقات اليونانيين، هناك بالطبع الكثير من الفساد والتهرب الضريبى فى اليونان، كما أن الحكومة اليونانية لديها عادة العيش على نحو يتجاوز إمكاناتها. وبصرف النظر عن هذا، تعد إنتاجية العمال اليونانيين منخفضة بالمعايير الأوروبية ــ نحو 25% أقل من المتوسط فى الاتحاد الأوروبى. ورغم ذلك، فقد لا يهم أن إنتاجية العمال، ولنقل فى المسيسبى، أقل من المعايير الأمريكية بالمثل ــ وعند الهامش نفسه تقريبا.

 

لكن من ناحية أخرى، نجد أن أكثر ما قيل عن اليونان غير صحيح تماما. فاليونانيون ليسوا خاملين ــ بل هم على العكس من ذلك يعملون ساعات أطول من غيرهم فى أوروبا، وتحديدا أطول من ساعات عمل الألمان. ولم تمض اليونان أبعد مما ينبغى فى دولة الرفاه، كما يحلو للمحافظين الادعاء، فالنفقات الاجتماعية باعتبارها نسبة من إجمالى الناتج المحلى، وهى المعيار المألوف فى قياس حجم رفاه الدولة، أقل بصورة ملحوظة عما فى السويد أو ألمانيا على سبيل المثال، وهما البلدان اللذان نجيا تماما حتى الآن من الأزمة الأوروبية.

 

فلماذا إذا دخلت اليونان فى هذا الاضطراب الكبير؟ اليورو هو المسئول عن ذلك. فمنذ خمسة عشرة عاما، لم تكن اليونان جنة، لكنها كذلك لم تكن مأزومة. وكان مستوى البطالة مرتفع، لكنه لم يكن مفجعا، وشقت البلاد طريقها فى السوق العالمية، بدرجة أو أخرى، وكانت تكسب من الصادرات والسياحة والنقل البحرى والمصادر الأخرى ما يكفى لدفع ثمن وارداتها، بدرجة أو أخرى.

 

ثم انضمت اليونان إلى منطقة اليورو، وحدث شىء فظيع، إذ بدأ الناس يعتقدون أنها مكان آمن للاستثمار. وتدفقت الأموال الأجنبية على اليونان، ومول بعضها، وليس كلها، العجز الحكومى. وحدث رواج اقتصادى، وزاد معدل التضخم، وأصبحت اليونان غير قادرة إلى حد كبير على المنافسة. وحتى نكون منصفين، بدد اليونانيون الكثير من المال الذى تدفق إلى الداخل، إن لم يكن معظمه، لكنهم عندئذ حوصروا داخل فقاعة اليورو، كما حدث لكل البلدان الأخرى. ثم انفجرت الفقاعة، وعند هذه النقطة بدت العيوب الجوهرية فى كل نظام اليورو بوضوح شديد.

 

●●●

 

ولنتساءل، لماذا لا تزال منطقة الدولار ــ المعروفة أيضا باسم الولايات المتحدة الأمريكية ــ تعمل دون هذا النمط المدمر من الأزمات الإقليمية التى أصابت أوروبا الآن؟ وتتمثل الإجابة فى أن لدينا حكومة مركزية قوية، وتقدم أنشطة هذه الحكومة فى الواقع مساعدات إنقاذ تلقائية إلى الولايات التى تصيبها مشاكل.

 

ولنتأمل الآن على سبيل المثال ما كان سيحدث فى فلوريدا، فى أعقاب فقاعة الإسكان الضخمة، حيث كان على الولاية الحصول على الأموال لأغراض الأمان الاجتماعى والرعاية الطبية من عوائدها الخاصة التى انخفضت فجأة. لحسن حظ فلوريدا، تولت واشنطن، بدلا من تالاهاسى أمر السداد، بما يعنى أن فلوريدا تلقت فى واقع الأمر مساعدة إنقاذ بحجم قد لا تحلم به الدول الأوروبية.

 

أو لنتأمل مثالا أقدم، وهو أزمة المدخرات والقروض فى الثمانينيات، التى كانت فى الواقع قضية تخص تكساس. فقد انتهى الأمر بتحمل دافعى الضرائب مبلغا ضخما من أجل السيطرة على الفوضى ــ لكن لم تكن الغالبية العظمى من دافعى الضرائب هؤلاء فى تكساس، بل فى جميع الولايات. ومرة أخرى، تلقت الولاية مساعدة إنقاذ بحجم لا يمكن تخيله فى أوروبا الحديثة.

 

لذلك ترجع المشاكل التى تعانى منها اليونان أساسا، رغم أنها ليست خالية من الأخطاء، إلى غطرسة المسئولين الأوروبيين، الموجودين فى الغالب فى البلدان الأكثر ثراء وأقنعوا أنفسهم بأنهم قادرون على إنشاء عملة موحدة دون إنشاء حكومة موحدة. وهؤلاء المسئولون أنفسهم جعلوا الوضع أكثر سوءا بالإصرار، دون دليل قاطع، على أن مشكلات العملة وقعت بسبب السلوك غير المسئول لهؤلاء الأوروبيين الجنوبيين، وأن كل الأمور ستمضى على ما يرام، فقط إذا كان الناس مستعدين لتحمل قليل من المعاناة الإضافية.

 

ينقلنا هذا إلى الانتخابات اليونانية يوم الأحد، التى لم تؤد إلى تسوية أى شىء. ربما نجح الائتلاف الحاكم فى البقاء فى السلطة، رغم أن حتى هذا غير واضح بعد (فالشريك الثانوى فى الائتلاف يهدد بالانشقاق). لكن اليونانيين لن يقدروا على حل هذه الأزمة فى كل الأحوال.

 

●●●

 

ربما كان الطريق الوحيد لنجاة اليورو هو أن يدرك الألمان والبنك المركزى الأوروبى أنهم من ينبغى عليه تغيير سلوكه، والمزيد من الإنفاق، وقبول مستوى تضخم أكبر. وإذا لم يفعلوا ذلك، فسوف تسجل اليونان بشكل أساسى فى التاريخ باعتبارها ضحية لغطرسة الآخرين.

 

 

كل الحقوق محفوظة لشركة النيويورك تايمز لمبيعات الخدمات الصحفيه .

بول كروجمان حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد
التعليقات