التأمين الصحى الشامل.. حلم على مرمى حجر - ناهد يوسف - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 3:05 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التأمين الصحى الشامل.. حلم على مرمى حجر

نشر فى : الجمعة 24 نوفمبر 2017 - 9:00 م | آخر تحديث : الجمعة 24 نوفمبر 2017 - 9:00 م
أقر بسعادتى البالغة لأن الحكومة اجتهدت فى إعداد مشروع التأمين الصحى الشامل، وقررت إصداره لخدمة المواطنين، وهذا جيد فى حد ذاته. أثلج صدرى أن مشروع القانون الذى أقره مجلس الوزراء هو حاليا قيد النقاش فى مجلس النواب. ووعد نائب وزير المالية، محمد معيط بأن الخدمة ستكون أكثر تميزا، ولا أعباء جديدة على المواطنين، معلنا أن تكلفة تأمين صحى شامل لكل مصرى ومصرية ستبلغ 600 مليار جنيه. يقترب إذن الحلم بتوفير العلاج على مستوى جيد، ولكل المواطنين خاصة الأكثر فقرا.

كما يعتمد النظام المقترح على كل البنية التحتية الصحية القائمة حاليا، أى القطاع الخاص والحكومى، بشرط توافر معايير الجودة اللازمة على غرار النظام الصحى فى فرنسا وفى إنجلترا وعدد من الدول المتقدمة، ففى هذا استغلال جيد للبنية التحتية الصحية القائمة، وفتحها أمام جميع المواطنين، وهو ما يتيح للجميع الحصول على الجودة نفسها فى الخدمات الصحية.

قرأت نسخة القانون التى يناقشها المجلس، ولدى بعض الملاحظات التى أظن أن العمل على إدماجها يؤدى إلى خفض التكلفة على المدى الطويل، ومن ثم دفع الاستدامة المالية للتأمين الصحى إلى الأمام.

• الوقاية خير

ورد فى المادة 1 بند 14 النص التالى: «المستوى الأول للرعاية الصحية: يعتبر المستوى الأول للرعاية الصحية خط الدفاع الأول ضد المرض، وهو يهتم بالجانب الوقائى وتعزيز الصحة ومكافحة انتشار المرض، أى مرحلة ما قبل الإصابة بالمرض».

النص ــ كما جاء فى مشروع القانون ــ مهم جدا والموضوع (الوقاية) بالغ الأهمية. فكلنا نعلم أن واقع أحوالنا المعيشية يدفع بأعداد وفيرة من المرضى إلى سوق المرض. لذا ينبغى أن تلتزم الحكومة باتخاذ إجراءات للوقاية مما يقلل من انتشار الأمراض ومن ثم الحاجة إلى العلاج. ولكن هذا البند لم يشمل سوى إلزام الدولة بالتطعيمات ضد عدد من الأمراض، وهذا فى رأيى غير كاف.

• تلك هى أهم أبواب الوقاية

أولا: يعانى نحو 30 مليون مصرى من قلة وسوء التغذية، وهو ما يؤثر على نموهم الجسدى وتطور قدراتهم على التحصيل والإدراك. لذا أقترح إضافة مادة تلزم الحكومة بالبرنامج الوقائى الذى طرحه أخيرا البنك الدولى «الاستثمار فى التغذية»، والذى يقوم على توفير الحديد واليود والزنك وفيتامين أ، خلال أول 1000 يوم من حياة الطفل منذ أن يحتل رحم أمه. فهذا الإجراء الوقائى محدود التكلفة، من شأنه خفض تكاليف التأمين الصحى خلال عشرة أعوام.

ثانيا: أيضا الوقاية ضد انتشار السرطان وغيره من أمراض عضال مثل الفشل الكلوى والكبدى وأمراض الحساسية والجهاز التنفسى. وأهم مسببات تلك الأمراض ثلوث مياه النيل، ومصادر المياه الأخرى. وقد رأى الرئيس السيسى بنفسه فى مؤتمر الشباب كيف يصب أحد المصانع الكبرى ملوثاته فى مجرى النيل، مثله مثل العديد من المصانع ومصادر التلوث الأخرى.

هناك كذلك ما يؤدى إليه حرق القمامة دون فرز واستبعاد المواد البلاستيكية، التى تطلق مادة الديوكسين المسرطنة عند الاحتراق وتتسبب فى تلوث الهواء. كما يتسبب الإفراط فى استخدام المبيدات الزراعية فى غذائنا فى انتشار السرطان وأمراض الكلى. أما مخازن الغلال المكشوفة، فقد أثبتت الدراسات أن سوء التخزين يؤدى إلى نمو الفطريات وإفراز مادة الأفلاتوكسين المسرطنة، وكل من يأكل الخبز معرض لها.

لكل ما سبق، أقترح إضافة مواد تنص على إجراءات تضمن أن تقوم الحكومة بدورها فى الوقاية، مادة تلزم الحكومة بدورها فى الحفاظ على النيل من التلوث، وأخرى بإعادة التدوير، وخاصة المواد البلاستيكية، وأخيرا بحسن تخزين الأقماح والغلال. فمن شأن ذلك أن تنخفض تكاليف التأمين الصحى فى المدى المتوسط والبعيد، ومن ثم العبء على الحكومة نفسها وعلى المواطنين.

• غياب الأدوية والمستلزمات الطبية

لم يرد فى المشروع ما يفيد طريقة توفير الدواء ولا حتى تحديد الاحتياجات حتى نوفرها. وفى غياب تنظيم هذا الموضوع المهم، سوف تصبح الكلمة العليا فى توفير الدواء لنظام التأمين الصحى فى يد الشركات العالمية الكبرى، فاتحا بابا واسعا للفساد (عن طريق إغراء أعضاء اللجان المسئولة عن شراء الأدوية والمستلزمات الطبية). كما يرفع التكلفة بشكل يهدد الاستدامة المالية لمشروع التأمين الشامل.

فى زمان سابق، شرفت بالعضوية فى لجنة قامت بوضع مشروع للتأمين الصحى، شكلها مجلس الصحة بالمجالس القومية المتخصصة، برئاسة العالم الجليل الدكتور إبراهيم بدران وعضوية علماء وخبراء أجلاء. لم يخرج هذا المشروع أبدا إلى النور، وظل قابعا فى أدراج المجلس، حتى نسيت تلك القصة.

قامت تلك اللجنة بوضع توصية بعمل خرائط صحية لكل المحافظات المصرية، والتى توفر معلومات كافية عن خريطة الأمراض فى كل محافظة، وعدد المرضى، والأدوية اللازمة لعلاجها، وذلك باستخدام قائمة الأدوية الأساسية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية WHO.

تتميز تلك القائمة بأنها مجموعة من الأدوية معظمها خارج احتكار الشركات العالمية، وهو ما يعنى أن طريقة تصنيعها متاحة لكل الشركات المحلية، وهو ما يخفض من تكلفة إنتاجها وبالتالى تكلفة الحصول عليها من قبل منظومة التأمين الصحى. وتتميز أيضا تلك القائمة بأنها يتم تحديثها بشكل متواصل، كى تواكب الأمراض الجديدة.

وبهذا يتم أفضل استغلال للطاقات المحلية المقامة بالفعل، والتى صارت اليوم تتمثل فى 150 مصنعا محليا للأدوية.

هذه المصانع قادرة على تصنيع معظم احتياجات التأمين الصحى من المواد الأولية الجنيسة أو البديلة generic، وذلك عن طريق المناقصات مع مراعاة استغلال كل الطاقات الإنتاجية المتوافرة محليا. وأتمنى من الله أن يقام مصنع أو أكثر لإنتاج تلك الكيماويات باستثمار العلاقات الدولية الجيدة حاليا مع الصين والهند.

الاعتماد على الدواء المحلى هو إذن ربح للجميع، استغلال طاقات إنتاجية قائمة، وتشغيل أيدٍ عاملة مصرية، إضافة إلى استفادة منظومة التأمين الصحى، الذى سيحقق وفرا هائلا فى تكاليف الحصول على الدواء. ومن ثم يجب النص فى متن القانون على ما يفيد ويوضح طريقة تحديد وتوفير الدواء.

وفى حالة غياب ذلك عن القانون، فسوف يتحول النظام الصحى سريعا إلى الخسارة، لتتراكم الأرباح لدى الشركات العالمية شبه المحتكرة لسوق الدواء العالمى. وسيصبح الوضع أشبه بنظام التأمين الصحى الأمريكى، الأكثر تكلفة فى العالم، على الرغم من أنه لا يغطى سوى الجزء الأغنى من المواطنين، وذلك بسبب خضوع المنظومة الصحية للشركات الكبرى للأدوية (وللتأمين).

وعليه، أقترح إضافة التالى إلى المادة 9 من الفصل الأول: إنشاء لجنة دائمة تختص بتوفير الأدوية للعلاج بعد تحديدها بناء على المعلومات التى تتيحها الخرائط الصحية والاسترشاد بقائمة منظمة الصحة العالمية. كما تكون الأولوية فى الشراء للمصانع المحلية، بنظام المناقصات، وتقديم تلك الأدوية فى عبوات خاصة بالتأمين الصحى.

ومن الأفضل أن ينص القانون على إتاحة صرف هذه الأدوية عن طريق فتح الباب للصيدليات الخاصة (الأكثر انتشارا فى ربوع البلاد، مما يسهل للمواطنين الحصول على الدواء عن طريق رقمهم التأمينى)، وذلك عن طريق السماح بالتحاق الصيدليات بالمنظومة عبر شبكة الإنترنت، بحيث تكون متصلة بعيادات ومستشفيات التأمين الصحى، فتحصل آليا أى صيدلية على أى روشتة كتبها الطبيب عبر الرقم التأمينى للمشترك. 

وأخيرا ــ وإن كان موضوعا جانبيا، إلا أنه ليس بغير مهم ــ لفت نظرى الكم الهائل من الأخطاء النحوية والإملائية فى مشروع القانون المنشور. وأرجو ألا يتأثر القانون فى صيغته النهائية بمستوى الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب فى اللغة العربية.
ناهد يوسف خبيرة صناعة الأدوية وعبواتها
التعليقات