بومبيو و«صندوق باندورا» الإيرانى - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 2:28 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بومبيو و«صندوق باندورا» الإيرانى

نشر فى : الإثنين 25 يناير 2021 - 6:55 م | آخر تحديث : الإثنين 25 يناير 2021 - 6:55 م

برامج نووية وصاروخية، طائرات مسيرة انتحارية، دعم لفصائل ولائية وأذرع ميليشياوية، تدخلات فى شئون دول مستقلة، إذكاء لفتن مذهبية، وتحالف مع تنظيمات إرهابية «داعشية» و«قاعدية». ذلك ما طفح به «صندوق باندورا»، اختتم بومبيو تماهيا مع الميثولوجيا الإغريقية الشهيرة، مسيرته الوزارية مغامرا بفتح «صندوق باندورا» الإيرانى، الذى قامر بفتحه وزير الخارجية الأمريكى السابق مايك بومبيو ضمن سياق الإخراج الهوليودى للولاية الرئاسية الدرامية اليتيمة والمثيرة لإدارة ترامب.
فقبل أسبوع من مغادرته، أبى بومبيو إلا أن يمطر إيران بسيل من الاتهامات، المستندة إلى تسريبات استخباراتية، بإقامة علاقات عضوية مع تنظيم «القاعدة»، سمحت لعناصره بحرية الحركة داخلها ومرونة التواصل خارجها، وتدشين مركز عمليات على أرضها جعل منها أفغانستان جديدة بالنسبة للتنظيم، كما أتاحت لعدد من خاطفى طائرات 11 سبتمبر 2001، عبور أراضيها لتنفيذ هجماتهم والعودة إليها مجددا كملاذ آمن، ووفرت الدعم الإدارى والمالى واللوجيستى للقادة القاعديين الذين يخططون لعمليات ضد أعداء مشتركين. وبعدما اعتبر بومبيو محور إيران ــ القاعدة، الذى تسبغ بموجبه الأولى حمايتها الأمنية على الأخير، وتمده بالإسناد اللوجيستى، مقابل استهدافه للمصالح الأمريكية دونما تعرض لنظيراتها الإيرانية، مصدر تهديد جسيم لأمن الولايات المتحدة والعالم أجمع، جدد التزام بلاده تفكيك ذلك المحور، ومحاكمة القيادات القاعدية المختبئة بطهران، والذين أدرجتهم وزارة الخزانة الأمريكية على قوائمها للجماعات الإرهابية، مع ترقب إلحاق جميع أذرع إيران وفصائلها الولائية بذات اللائحة السوداء، والمضى قدما فى تفكيكها وملاحقة عناصرها، مشيدا بالعقوبات الأمريكية التى قلصت ميزانية إيران العسكرية بنسبة 24 %، وحرمتها من 70 مليار دولار كانت ستوجه لتمويل الإرهاب وتطوير البرامج الصاروخية والنووية، كما منعتها من نقل 15 نوعا من المعادن المستخدمة فى تلك البرامج.
بغض النظر عن دلالات توقيت إعلان تلك التسريبات الاستخباراتية، كاستعراض إدارة ترامب لتميزها فى مكافحة الإرهاب، وإقناع إدارة بايدن والحلفاء الأوربيين باعتناق مقاربتها حيال إيران ورفض العودة إلى الاتفاق النووى لعام 2015، والذى حذر السياسى والمفكر الأمريكى الأشهر هنرى كيسنجر إدارة بايدن من العودة إلى روحه، لكى لا يندلع سباق تسلح نووى فى الشرق الأوسط، إلا أنها تغذى المخاوف العالمية من إمكانية تزويد إيران حليفها القاعدى بأسلحة دمار شامل، كتلك الكيماوية والبيولوجية المتاحة لديها حاليا، أو هاتيك النووية التى تسعى بدأب لامتلاكها، خصوصا بعدما سبق لايران إمداد فصائله الولائية فى اليمن وفلسطين ولبنان وسوريا والعراق بالصواريخ الباليستية والمسيرات الانتحارية من طراز «شاهد 136»، بعدما سولت له نفسه تزويد ليبيا بالأسلحة الكيماوية خلال الحرب الليبية التشادية (1978 ــ 1987)، بل واستخدامها فعليا ضد العراق إبان حرب الخليج الأولى(1980ــ1988).
فمنذ سبعينيات القرن الفائت، لم تتوانَ الجماعات الإرهابية عن تحرى السبل الكفيلة بحيازة هذه الأسلحة الفتاكة، مستغلة ثورة المواصلات والاتصالات، التى فتحت القنوات التجارية المشروعة والمحرمة. وفى عام 2003، أكدت تقارير استخباراتية غربية، لجوء أسامة بن لادن، الذى اعتبر اقتناء تلك الأسلحة الفتاكة «واجبا دينيا»، إلى أحد الفقهاء السعوديين لاستصدار فتوى تجيز استخدام السلاح النووى لدرء العدوان الأمريكى على بلاد المسلمين. ووفقًا لتلك التقارير، استطاعت «القاعدة» إنتاج أسلحة كيميائية بعد حصولها على المواد الخام الجاهزة وتجنيد علماء فاسدين لصناعة القنابل القذرة، فيما لم تفلح محاولاتها لشراء مواد نووية من السوق السوداء العالمية، وتجنيد أو استئجار خبراء نوويين لتصنيعها. وبينما تمكن تنظيم «داعش» الإرهابى عام 2014 من الاستيلاء على بعض المواد النووية القابعة بمعامل جامعة الموصل العراقية، قللت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقتها، من وقع الحادثة، جراء عدم صلاحية تلك المواد لإنتاج السلاح النووى.
برغم إخفاق تلك الجماعات المارقة فى الحصول على أسلحة نووية جاهزة، أو حتى لوازم ومتطلبات إنتاجها من خبراء ومكونات وتجهيزات، حتى الآن على الأقل، تؤكد التقارير الاستخباراتية عدم توقف مساعيها الحثيثة بهذا الصدد، بما يفاقم الهلع الدولى من نجاحها فى بلوغ مآربها الشيطانية. فبينما اعتبر الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما الإرهاب النووى أكبر تهديد يلاحق الإنسانية جمعاء، كون تفجير سلاح نووى واحد بأية مدينة يزهق أرواح مئات الآلاف من البشر، ويحول حياة الباقين إلى جحيم، حذر كل من أنتونى بلينكن مرشح الرئيس بايدن لمنصب وزير الخارجية، ولويد أوستن وزير الدفاع، وأفريل هاينز المرشحة لرئاسة الاستخبارات الوطنية، خلال جلسات التصديق على تعيينهم أمام لجان العلاقات الخارجية والقوات المسلحة والاستخبارات بمجلس الشيوخ، من تداعيات تمكن إيران عقب الانسحاب الأمريكى من اتفاق 2015 من تقليص «وقت الاختراق» أو المدة اللازمة لتحضير متطلبات إنتاج السلاح النووى، الأمر الذى سيعقد العلاقة معها مستقبلا، مؤكدين التزام الإدارة الجديدة بمنع إيران من امتلاك ذلك السلاح وأدوات إيصاله الصاروخية، علاوة على لجم انتهاكاتها المتمثلة فى: دعم الإرهاب، تمويل الوكلاء، تهديد حلفاء واشنطن فى المنطقة، كما القوات الأمريكية المرابطة هناك، وزعزعة الاستقرار العالمى.
من جانبه، أولى مجلس الأمن الدولى اهتماما لافتا لمخاطر استخدام الإرهابيين لأسلحة الدمار الشامل. ففى قراره 1373 لسنة 2001، جرم مباشرة الإرهاب الدولى للنقل غير القانونى للمواد الكيميائية والبيولوجية والنووية. وفى العام 2005، ظهرت معاهدة الأمم المتحدة لمناهضة الإرهاب النووى، التى وقعت عليها 115 دولة، بما فيها الدول النووية الخمس دائمة العضوية بالمجلس. وفى عام 2008، وبعد عام على واقعة اقتحام منشأة بليندابا النووية بجنوب أفريقيا، التى تحتوى على كمية من اليورانيوم المخصب تكفى لصناعة عدة قنابل نووية، تأسست «هيئة الأمن النووى العالمى» كمنظمة تستهدف تأمين العالم نوويا عبر مكافحة الإرهاب النووى بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومنها، انبثقت «مبادرة مكافحة الإرهاب النووى العالمية» كآلية دولية تضم 86 دولة وأربعة مراقبين رسميين، لتنسيق الجهود بغية الحيلولة دون وقوع أحداث إرهابية نووية، وتبنى التدابير المثلى للتعاطى مع تداعياتها.
تفعيلا لتلك الآليات، يجدر بإدارة بايدن إضفاء فيض جدية على جهودها لحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل عالميا، بما يحول دون تسربها إلى أيادى التنظيمات الإرهابية والدول الداعمة لها، إذ لم تصادق واشنطن، حتى الآن، على اتفاقية الأمم المتحدة لتعزيز التعاون الدولى فى مكافحة وتجريم الإرهاب النووى، فى الوقت الذى تتوقع دوائر غربية إنتاج إيران للسلاح النووى فى غضون بضعة أشهر، بعدما شرعت، منذ العام الماضى، فى التحلل من القيود التى أقرها الاتفاق النووى، ردا على انسحاب ترامب منه فى مايو 2018 وإعادة فرض العقوبات، طمعا منها فى تقليص المدى الزمنى لبلوغ حلمها النووى، معلنة استعدادها لرفع نسبة تخصيب اليورانيوم من 20% إلى 90%، وهى النسبة اللازمة لهذا الغرض، فيما كشف تقرير سرى للوكالة الدولية للطاقة الذرية، مؤخرا، عن تدشينها خط تجميع لإنتاج مادة أساسية لتصنيع الرءوس الحربية النووية.
تزامنا مع توجيهات رئيس أركان الجيش الإسرائيلى ببلورة استراتيجية لتقويض برامج التسليح الإيرانية، انطلاقا من عدم ثقته بجدوى عقوبات الجمهوريين، أو نجاعة دبلوماسية الديمقراطيين، فى كبح جماح النزعات العدوانية لطهران، قدر اعتقاده فى فعالية الخيار العسكرى، الذى لاحت معالمه فى تكثيف وتيرة الضربات الإسرائيلية ضد أهداف استراتيجية إيرانية داخل سوريا، استبق الرئيس ترامب مغادرته السلطة بضم إسرائيل إلى القيادة العسكرية الأمريكية الرئيسية فى الشرق الأوسط، توخيا لإلزامها بمقاربة واشنطن إزاء طهران، والتى تتبنى سياسة الضغوط القصوى لحرمان الإيرانيين من الموارد التى تعينهم على مواصلة خروقاتهم المتنوعة. وقبل أيام، أفادت تقارير استخباراتية باستضافة قاعدة حميميم الروسية باللاذقية، الشهر الماضى، اجتماعا ضم مسئولين سوريين وإسرائيليين برعاية روسية، تناول المطالبات الإسرائيلية بإنهاء الوجود الإيرانى فى سوريا، وإشراك المعارضة السورية فى الحكم، وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، مقابل الإلحاح السورى لاستعادة العضوية بالجامعة العربية، وتلقى مساعدات مالية لسداد الديون الإيرانية، وتعليق العقوبات الغربية. ولم تستبعد التقارير استئناف مباحثات موسعة خلال العام الجارى.
إذا كانت طهران و«القاعدة» قد اجتمعتا على معاداة الولايات المتحدة، برغم تناقضاتهما المذهبية، وتصنيف إيران للتنظيم كمنظمة إرهابية، وانخراطها فى التحالف الدولى بقيادة واشنطن لمحاربته و«داعش»، فمن غير المستبعد أن يولى تحالفهما وجهه شطر حيازة أسلحة الدمار الشامل كأداة انتقام من أعدائهما المشتركين. وعبر علاقتها الوظيفية المشينة بجماعات إرهابية منتسبة للإسلام السنى مثل «القاعدة» و«داعش»، تتطلع طهران لضرب عصفورين بحجر واحد. أولهما، استخدامها كستار ورأس حربة، فى آن، لتنفيذ مخططاتها التخريبية ومشاريعها التوسعية. وثانيهما، تحقيق مأرب عقائدى يتمثل فى النيل من سمعة الإسلام السنى وتكريس صورته الذهنية السلبية المغلوطة بمخيلة الغرب، بوصفه منبت التطرف، ومنبع الإرهاب، ومبعث معاداة الآخر. وهى التدابير التى سوغت لطهران الالتحاق بالتحالف الدولى لمحاربة الإرهاب، واتخاذه مظلة للعبث بوحدة واستقرار الدول العربية، بمباركة أمريكية، وعلى مرأى ومسمع من العالم.

التعليقات