الأصدقاء يتساءلون عن دلالة ما حدث ويحدث فى مصر الآن. ولسان حالهم، إلى أين نحن ذاهبون؟
نحن ينطبق علينا ما ينطبق على أجداد أجدادنا من قبل حين وصف الله فرعون بأنه جعل أهلها شيعا. نحن الآن شيع، أى فرق. فرقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومن يؤيدهم أيا كانت مواقفهم، وفرقة السلفيين ومن يؤيدهم أيا كانت مواقفهم، وفرقة الليبراليين ومن يؤيدهم أيا كانت مواقفهم، وفرقة الإخوان ومن يؤيدهم أيا كانت مواقفهم. وهكذا.
وسنستمر على هذه الحال من التشرذم والتشيع طالما وجد فينا الخالق، سبحانه وتعالى، تشددا وغلظة وجهالة، لذا جعل عقابنا من جنس عملنا حتى نعلم أن ثمن الحرية كراهية الاستبداد، وأن ثمن العدل كراهية الظلم، وأن ثمن المساواة كراهية التمييز. وبما أننا لم نكره الاستبداد والظلم والتمييز بالقدر الكافى بعد، فها نحن نكوى أنفسنا بها. وسنظل هكذا حتى نتعلم الدرس، حينئذ سيجعل الله بعد عسر يسرا.
الديمقراطية الحديثة ليست مستحيلة ولكن ثمنها غالٍ ككل تطور يحدث فى المجتمعات، ليس الثمن المزيد من الدم، وإنما المزيد من الأخلاق، ليس الثمن صراعات وإنما توافقات، ليس الثمن كراهية أكثر للمختلفين معنا، ولكن الثمن المزيد من الحوار البناء، ليس الثمن مزيدا من الشتيمة والتخوين، وإنما الثمن هو الإقلال منهما. حين ندفع هذا الثمن سندخل الديمقراطية من بابها الطبيعى. لا تيأسوا ولكن قللوا من نهج الشتم والتشكيك والتخوين. حينئذ سيجعل الله بعد عسر يسرا.
الجماعة الوطنية الجامعة والتيار الأساسى للمجتمع المصرى ينبغى أن يكون أقوى من المتشددين. وآية قوته أن يتداعى ويتفاعل ويعلى صوته وقت أن يحاول التشدد أن يعلى من صوته ويفرض إرادته. لم نزل نتحسس الطريق لمجتمع مدنى قوى وفاعل يضبط إيقاع السياسة بدلا من أن يكون تابعا لها. لو التحزب غلب التمدن، أى لو الانتماء الحزبى فاق فى أولويته قيم التعايش واحترام حق الآخرين فى أن يعبروا عن وجهة نظرهم فى حدود القانون، لضاعت الدولة. لو فهمنا هذا، حينئذ سيجعل الله بعد عسر يسرا.
قطعا لم يزل هناك أمل، مصر هزمت وانتصرت، وقعت وقامت، نامت وثارت. الجزائر شهدت حربا أهلية لعشر سنوات ثم قامت من جديد. ولن نصل إلى الحرب الأهلية أبدا بإذن الله. الأرجنتين أعلنت إفلاسها فى ٢٠٠٤ وها هى تزدهر من جديد. سنقوم، ونقف، ونجرى، ونطير. لكن دعونا نمرر هذه الفترة الانتقالية على خير. أضعف وأسوأ ما فى أعقاب أى ثورة، هو الفترات الانتقالية. تمنيتها قصيرة، ولكنها طالت حتى نعلم كم علينا أن نحترم حقوق الآخرين مثلما نطلب منهم أن يحترموا حقوقنا. حينئذ سيجعل الله بعد عسر يسرا.
حين تأتى مجموعة من القيم والأفكار الجديدة لمجتمع ما، فهى تكون مثل الاختراع الجديد. دعونا نعتبر أن الديمقراطية والمدنية والنهضة وحكم القانون كأنها اختراع. سيتبناه فى أول الأمر نسبة من الناس اسمهم «المخترعون» ثم الذين سيتبنون هذا الاختراع مبكرا مع المخترعين وليكن اسمهم «المتبنين»، ثم الأغلبية المبكرة، ثم الأغلبية المتأخرة، وسيظل هناك مجموعة من الناس لن يتبنوها أبدا. نحن لم نزل بين المرحلتين الأولى والثانية. ليست بداية سيئة، ولكن علينا ألا نفقد الأمل. كل تجربة نتعلم منها أكثر. والضربة التى لا تقسم ظهرك تقويه. سنكون أقوى بإذن الله. المهم قولوا للناس حسنا، ووطنوا أنفسكم على احترام حق الآخرين فى الاختلاف معكم. وسيجعل الله بعد عسر يسرا.