قد أفلح من تحزب - سامر سليمان - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:55 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قد أفلح من تحزب

نشر فى : الإثنين 25 أبريل 2011 - 9:51 ص | آخر تحديث : الإثنين 25 أبريل 2011 - 9:51 ص

 عائلة مصرية تريد حل مشكلة داخلها بشكل توافقى. ماذا تفعل؟ يمكن لهذه العائلة أن تجلس مع نفسها ومن ثم تتخذ القرار. شعب مصر يريد أن يقرر أمرا ما يخصه. ماذا يفعل؟ لا يمكن لشعب من 80 مليون مواطن أن يجلس فى مكان واحد. البديل هو أن تجتمع هيئات لها قدرة على تمثيل الشعب. أهم هذه الهيئات هى الأحزاب السياسية التى تشكل كتلا داخل مجلس الشعب. فى أكتوبر القادم سيكون لدينا مجلس شعب جديد منتخب. السؤال هو: عندما يجلس البرلمان المصرى فى سبتمبر 2011، هل يكون ذلك بمثابة جلوس الشعب المصرى مع نفسه؟ إلى أى مدى سيمثل مجلس الشعب القادم النسيج المتنوع للشعب المصرى؟

فى ظل النظام الديكتاتورى السابق كان مجلس الشعب فى واد والشعب فى واد آخر. لم يكن يشارك فى اختيار مجلس الشعب إلا أقلية من المصريين: نحو الخمس طبقا للأرقام الرسمية، ونحو العشر إذا نحينا جانبا أصوات الموتى والغائبين التى كانت تضاف زورا إلى الأصوات الصحيحة. إذا أضفنا إلى ذلك أن معظم المصوتين كانوا من قليلى التعليم وقليلى الدخل بما أن الانتخابات كانت تقوم أساسا على تقديم الرشاوى الانتخابية أو الخدمات المباشرة، من الممكن أن نستخلص من هذا أن مجلس الشعب المصرى لم يكن فى الحقيقة مجلسا لشعب مصر.

من هنا لم يكن صدفة أن تغيب قطاعات بأكملها من الشعب عن الحضور فى البرلمان. سأقيس هنا على مجلس شعب 2005 الذى شهد أقل الانتخابات تزويرا فى عهد مبارك بفضل بعض الإشراف القضائى على الانتخابات. لن أقيس على انتخابات 2010 لأنها مهزلة لا تستحق اسم انتخابات من الأصل. لم يدخل فى مجلس 2005 إلا 4.5% من شخصيات لها خلفية عمالية بالرغم من أن القانون يعطى للعمال والفلاحين نصف مقاعد مجلس الشعب.

أقول شخصيات لها خلفيات عمالية، لأن معظم هؤلاء «العمال» بمقياس الدخل لم يعودوا ينتمون بأى حال من الأحوال للعمال. هكذا كاد العمال يغيبون تماما عن هذا المجلس. والأمر نفسه ينطبق على الفلاحين الذين كان يدخل باسمهم إلى البرلمان العديد من لواءات الشرطة السابقين. ولم يدخل هذا المجلس إلا أربع سيدات ومسيحى واحد هو يوسف بطرس غالى استطاع أن ينفذ إلى مجلس الشعب بموارد وزارة المالية التى سخرها لصالح حملته الانتخابية. هذه مجرد أمثلة على جماعات من الشعب المصرى كانت مهمشة بالكامل فى «أفضل» برلمان شهده عصر مبارك.

إذا كنا نريد أن نحصل فى سبتمبر القادم على مجلس شعب جدير باسمه، يجب أن يكون عندنا أحزاب حقيقية يستطيع من خلالها أن ينفذ ممثلون عن مختلف قطاعات الشعب المصرى. كلنا ندرك بالطبع الضعف الراهن للأحزاب المصرية. هذا الضعف فى الحقيقة لا يجب أن يُفسر بانصراف الشعب المصرى عن السياسة. لقد أسقطت ثورة يناير 2011 هذه الكذبة الرخيصة. فالشعب المصرى لم يكن منصرفا عن السياسة ولكنه كان عازفا عن سياسة الكذب والخداع والتزوير. والشعب لم يكن منصرفا عن الأحزاب، لأننا فى الحقيقة لم يكن لدينا أحزاب.

الحزب بالتعريف هو منظمة تسعى للوصول للسلطة. لم تكن أحزاب المعارضة أحزاب حيث إن أملها فى الوصول للسلطة كان معدوما. والحزب الوطنى لم يكن حزبا لأنه لم يكن أكثر من واجهة لأجهزة الأمن وشبكات الفساد التى سيطرت على البلاد. بسقوط مبارك وحزبه ودخول البلاد إلى مرحلة انتقالية قد تصل بنا إلى نظام ديمقراطى بدأت بعض قطاعات الشعب المصرى فى الإقبال على الأحزاب السياسية إدراكا منها لأهمية الأحزاب فى بناء مستقبل أفضل لمصر. لقد شهدت الساحة السياسية فى الأسابيع الأخيرة عدة مبادرات لتأسيس أحزاب جديدة انضم إليها الآلاف من المصريين. لكن يظل العديد منا فى حالة تردد أمام الانضمام لأحزاب سياسية، ليس عزوفا عن السياسة بشكل عام ولكن عزوفا عن الأحزاب أو عن الأحزاب القائمة بالفعل. وهذا الموضوع يحتاج وقفة.

البعض منا يقول إن المرحلة الحالية بما فيها من تحديات كبرى تواجه الشعب المصرى تستدعى بناء تحالفات واسعة وليست أحزابا. وهذا فى الحقيقة قول خاطئ.

نعم المرحلة تقتضى تحالفات، لكن فى النهاية التحالفات تقوم بين أحزاب وهيئات لا أفراد. إذا أردنا فعلا بناء تحالفات فعالة بين قوى سياسية فلابد، بادئ ذى بدء، أن يكون لدينا أحزاب قوية تشكل عماد هذه التحالفات. ومن هنا الشعب المصرى ليس لديه بديل إلا دعم الأحزاب القديمة أو بعضها أو دعم الأحزاب الجديدة أو بعضها.

أعرف أن الكثيرين غير راضين عن حالة الأحزاب المصرية كلها، قديمها وجديدها، وهذا شىء منطقى ومقبول. فالأحزاب القديمة فى حالة تكلس وركود. وباستثناءات قليلة كانت تلك الأحزاب غائبة تماما عن الحدث السياسى الأهم الذى شهدته مصر فى العقود الأخيرة وهو ثورة يناير. والأحزاب الجديدة تعمل تحت ضغط هائل بسبب سيف الوقت المصلط على رقبتها. فهى عليها أن تنجز فى 5 شهور جمع 5 آلاف توكيل وبناء هياكلها التنظيمية وكتابة برامجها وترجمة برامجها إلى كلام شعبى موجه لمختلف قطاعات الشعب، واختيار بعض أعضائها للمنافسة على مقاعد البرلمان ودعمهم فى حملاتهم الانتخابية... الخ. من هنا يكون من الطبيعى أن تشهد هذه الأحزاب تحت التأسيس ارتباكا تنظيميا وإنهاكا شديدا.

من المنطقى ألا يكون الشعب المصرى راضيا عن أحزابه السياسية، ولكن من غير المعقول أن يكون عدم الرضاء هذا مدعاة للانصراف عن الأحزاب. فالمدخل الوحيد لتطوير الأحزاب أو بناء أحزاب جديدة هو المشاركة فى الحياة الحزبية القائمة بالفعل. بالتأكيد لن يكون باستطاعتنا فى الشهور القادمة التى تسبق انتخابات البرلمان أن نحصل على أحزاب تنافس فى كفاءتها تلك الأحزاب الموجودة فى البلاد العريقة فى الديمقراطية.

فكما أنه من المستحيل على بلد بلا ملاعب كرة قدم أن يحصل على لاعبين مهرة، فبالمثل لا يمكن لبلد بلا ملاعب سياسية أن يحصل على كوادر سياسية عالية الكفاءة. نحن حديثو العهد بالسياسة. يجب أن نقبل هذه الحقيقة ونواجهها بشجاعة. ليس لدينا رفاهية الانصراف عن الأحزاب السياسية فى هذه المرحلة. فلندخل فى الأحزاب القائمة، ولندعم مبادرات الأحزاب الجديدة وننضم إليها أو على الأقل نساعدها من خارجها. وبانقضاء الانتخابات البرلمانية القادمة يمكن لغير الراضين عن كل الأحزاب أن يؤسسوا أحزابا جديدة. بدون ذلك لن يكون بمقدورنا أن نحصل على مجلس شعب ممثل إلى حد ما للشعب المصرى.

فلنذكر أن الانتخابات القادمة من المرجح أن تكون بالقوائم النسبية وبالتالى أن تلعب فيها الأحزاب دورا حاسما. مستقبل مصر يتوقف فى جزء كبير منه على دعم الشعب المصرى لأحزابه. فلنتحزب جميعا. فالتحزب فريضة وطنية هذه الأيام.

سامر سليمان  كاتب وأكاديمي مصري
التعليقات