التعديل الوزارى: عن الاستمرارية والتغيير فى النظام السياسى - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعديل الوزارى: عن الاستمرارية والتغيير فى النظام السياسى

نشر فى : السبت 26 مارس 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : السبت 26 مارس 2016 - 9:55 م
بعد تضارب طال فيما إذا كانت حكومة جديدة ستشكل أم تعدّل الحكومة القائمة، أو لا يحدث لا هذا ولا ذاك، خرجت الأخبار أخيرا بأن الحكومة قد عدّلت وحلف اليمين أمام رئيس الجمهورية الوزراء الجدد وحدهم. الشك قائم بشأن دستورية هذه الحكومة المعدّلة على ضوء المادة 146 من الدستور. لهذا الشك وجهان، الأول أن المادة 146 تنص على أن يكلف رئيس الجمهورية رئيسا لمجلس الوزراء بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب على أن تحصل الحكومة الجديدة على ثقة مجلس النوّاب خلال 30 يوما، والحكومة الحالية مشكلة منذ شهر سبتمبر الماضى، فإن كان الرّد أن الثلاثين يوما تحسب من ساعة تقدم الحكومة ببرنامجها، يبقى الوجه الثانى وهو أن رئيس الجمهورية عندما كلّف رئيس الوزراء الذى اختاره بتشكيل الحكومة لم يطلب منه عرض برنامجها على مجلس النوّاب كمل تنص على ذلك المادة 146 وهو ما كان منطقيا تماما حيث أنه لم يوجد عندئذ مجلس للنوّاب. غير أن هذا التكليف بتشكيل الحكومة أصبح قاصرا عن الوفاء بما ينص عليه الدستور بعد أن صار مجلس النوّاب موجودا.

الأشكال والإجراءات عظيمة الأهمية فى الدساتير لأن لها كلها مضامين، والمضمون فى هذه الحالة هو كفالة أن تكون الحكومة وثيقة الصلة بتشكيل البرلمان، من جانب، وأن يمارس البرلمان رقابته على الحكومة منذ تمام تشكيلها وأول يوم لممارستها لوظائفها، من جانب آخر.
إن غضضنا الطرف عن هذا الشكل الذى ينصّ عليه الدستور، مع أنه مما لا يغض الطرف عنه، فإن عملية التعديل الوزارى تثير ملاحظات عدة، سواء فيما يتعلق بالوزراء المستبدلين، أو طريقة اختيار الوزراء الجدد، أو التوجه الذى يكشف عنه هذا الاختيار، وأخيرا فيما يعنيه كل ذلك بشأن الاستمرارية والتغيير فى النظام السياسى.

***

ليست مفهومة القواعد التى تقرر على ضوئها استبدال بعض الوزراء بغيرهم والإبقاء على عدد آخر منهم، خاصة وأن بين الوزراء المستبقين من تردد وبقوة أنهم سيفقدون حقائبهم الوزارية. لماذا بقى هؤلاء خاصة وأن من بينهم من نددّ الرأى بكفاءتهم المهنية، ومن ثارت خلافات بينهم وبين من تنظم وزاراتهم ممارستهم لمهنتهم. الحجة فى استبدال الوزراء الخارجين من الحكومة هى ضعف أدائهم وعدم تحقيقهم لما كان مطلوبا منهم. هل حقق من بقى فى الحكومة ما كان مطلوبا منهم؟ وما هو ذاك الذى كان مطلوبا؟ ثم هل التقصير فى الأداء راجع لضعف فى الفهم وتقاعس عن بذل الجهد أم لأسباب خارجة عن صلاحيات الوزير المعنى؟ قد يكون هذا الوزير أو ذاك مقصرا بالفعل، ولكن هل الانهيار الذى لحق بالسياحة مثلا راجع لأن وزيرها لم يطلق حملات دعائية كافية ولم يزر المعارض السياحية أو دعا ممثلى صناعة السياحة فى العالم إلى زيارة مصر وإشهادهم أن كل شىء على ما يرام على ضفاف النيل والسواحل المصرية؟ أم أن الانهيار راجع لحادثة تفجير الطائرة الروسية، والمحاولة الإرهابية فى مدينة الغردقة ضمن اعتداءات إرهابية متكررة، ومقتل الباحث الإيطالى بعد تعذيبه، والاضطراب الاقتصادى، وأحاديث الانغلاق والشك فى كل ما هو ومن هو أجنبي؟ هذه كلها أسباب أيا كان تفسيرها تستدعى جهودا. المسئولية الأساسية عنها تقع على الوزارات المعنية بالسياسة الخارجية، والأمن، والسياسات الاقتصادية، وعلى تلك التى تصيغ سردية «تآمر» العالم على مصر وحتمية العداء بينه، خاصة بين بلدانه التى يجىء منها السياح، وبيننا. ألم تأت الاستثمارات، خاصة تلك التى أعلن عنها فى شرم الشيخ فى مارس 2015 لقصور فى أداء وزير الاستثمار، وهو ربما كان كذلك بالفعل، أم أن الأهم هو أن ذلك راجع لنفس الأسباب المذكورة بشأن السياحة، إضافة إلى أن مؤتمر شرم الشيخ كان فى حقيقته مناسبة للعلاقات العامة، فما بمؤتمرات من هذا النوع تزيد الاستثمارات، ناهيك عن العيوب الكامنة فى قانون الاستثمار والتى ما انفك الكثيرون ينبهون إليها.

***

يؤدى بنا خيط التحليل إلى التساؤل عن المعايير المستند إليها فى اختيار الوزراء. هل اختير الوزراء من بين أعضاء حزب الأغلبية أو ائتلاف أحزاب الأغلبية فى البرلمان؟ لم يحدث، وأساسا لا يوجد حزب أغلبية مطلقة ولا نسبية فى البرلمان وهو ما يجعله أعجوبة بين البرلمانات. هل الوزراء الجدد من السياسيين الذين اعتركوا الحياة السياسية وتدربوا على اتخاذ القرار السياسى والمفاضلة بين الخيارات السياسية، وليس التقنية؟ فى السياسة اختيارات لمن من الناس يتحمل تكاليف السياسات ومن منهم يستفيد بها، بينما الاختيارات التقنية والمهنية تحكمها الخصائص التقنية وحسابات كفاءة التنفيذ، والربح والخسارة إن تعلق الأمر بالقطاع الخاص. واضح أن الوزراء الجدد ليسوا من السياسيين مثلهم مثل أسلافهم وزملائهم. السياسيون يميزون أنفسهم باهتمامهم بحياة الناس أولا، وبمتابعتهم للشأن العام، وبأفكارهم ومواقفهم المعلنة. فإن قبلنا جدلا الوزراء التقنيين المهنيين، كيف يجرى الاختيار من بينهم؟ هل يعرف من يشكل الحكومة كل التقنيين المهنيين فى البلد وكفاءة كل منهم ليختار من بينهم؟ جلى أن هذا مستحيل، وبالتالى الاختيار لا يمكن إلا أن يكون تعسفيا والمحصلة أن الوزراء لا هم سياسيون ولا هم بالضرورة أفضل المهنيين إن كنّا قد سلمنا، تجاوزا، أن الكفاءة المهنية يمكن أن تكون وحدها المحدد الأساسى للاختيار للمناصب السياسية.

غير أن اختيار المهنيين فى التعديل الوزارى الأخير بالذات يثير تساؤلين وتعليقين محددين إضافيين. المهنيون الثلاثة، من خارج الجهاز الإدارى للدولة ومن غير جهاز الإدارة المحلية ودوائر الأكاديميين، يأتون من أعلى الشرائح فى دوائر الأعمال فى القطاع الخاص. بعد حكومة أحمد نظيف فى سنة 2004، لم يحدث أن مثل القطاع الخاص فى الحكومة بهذا الشكل. قد يتساءل المراقب عما حدث فى خلال شهور خمسة لكى يغير نفس رئيس الوزراء رأيه من حكومة يشكلها بدون أى ممثلين للقطاع الخاص ثم يدخل فيها عند تعديلها ثلاثة أعضاء ينتمون إليه. التساؤل الثانى هو بشأن ما إذا كان الشق فى التعديل الوزارى يعنى توغلا فى سياسات السوق النيوليبرالية المنفلتة من أى عقال فى وقت تزايدت فيه صعوبات المعيشة على الأغلبية الساحقة من المواطنين.

أما التعليق الأول فهو أن ممثلى القطاع الخاص هذه المرة ليسوا كما كانوا فى سنة 2004. عندئذ كانوا من أصحاب رأس المال أنفسهم أما هذه المرّة فهم من المهنيين المديرين لكبرى شركات القطاع الخاص، وهو ما يعنى أن القطاع الخاص نما وتطور وزادت ثقته فى نفسه فى الاثنتى عشرة سنة الماضية وأنه أصبح يتصرّف فى شأن ممارسة الحكم مثلما يفعل القطاع الخاص فى معظم كبرى الدول الرأسمالية؛ فأنت لن تجد أصحابا لرأس المال يشتركون فى الإدارة الأمريكية أو فى الحكومة الفرنسية مثلا وإنما ستعثر على أسماء لمن يديرون مصالحهم.

التعليق الثانى هو بشأن وزير المالية بالذات وهو لا صلة له بشخص الوزير نفسه ولا بكفاءته. إن كان ثمة منصب وزارى سياسى فى أى حكومة فى أى مكان فهو منصب وزير المالية الذى يحدد من يتحمل تكاليف سياسات الدولة ومن يستفيد بها. كيف إذن يمكن اختيار وزير للمالية يعدم أى خلفية فى السياسة أو حتى فى الجهاز الإدارى للدولة، وخبرته هى فى الاستثمار وتعظيم أرباح المال الخاص؟

معايير اختيار الوزراء، بمن فيهم رئيسهم، تبقى تعسفية، كما كانت منذ عشرات السنين، بل ربما زادت فى تعسفها. كان الأمل عندما نشبت ثورة العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين أن تتغير قواعد عمل النظام السياسى الخاصة بالتجنيد للانخراط فيه تغيرا كليا. الأمل له ما يبرره تماما. لقد كانت قواعد التجنيد فى النظام السياسى والاختيار لشغل وظائفه الأساسية خلال عشرات السنين الماضية مما أدّى بنا إلى الوضع البائس الذى هوينا إليه حاليا.

***

وليس أبلغ فى الدلالة على عشرات السنين التى ضاعت منّا نتيجة لسوءات النظام السياسى من البلدان التى نعلن أننا نريد التعلم منها. بعد زيارة رئيس الجمهورية منذ أسابيع لجمهورية كوريا وسنغافورة تردد الإعلان عن أننا نريد أن نتعلم من تجارب هذين البلدين. فى هذه التجارب بالفعل ما يمكن أن يفخر به البلدان ويجدر تعلمه. ولكن، كوريا، صار معروفا أنها كانت فى سنة 1960 فى مستوى تنموى أدنى من مصر وكان متوسط الدخل الفردى السنوى فيها أقل منه فى مصر. أما سنغافورة، الجزيرة الصغيرة معدومة الموارد الطبيعية المستقلة سنة 1965، التى لا تتعدّى مساحتها 719 كيلومترا، ربعها مكتسب على البحر، وسكانها الخمسة ملايين ونصف المليون، فهى ما كان يمكن لأحد أصلا أن يقارنها منذ خمسين سنة بمصر وبما حققته فى القرنين السابقين.

السبب فى تخلفنا عن التقدم كما تقدّم الآخرون يكمن فى النظام السياسى الذى عرفته بلادنا وطرائق عمله. نظامنا السياسى فى الوقت الراهن لا يختلف فى شىء عما كان عليه فى نصف القرن الماضى إن لم يكن أسوأ منه، فهو على الرغم مما جاء به دستور سنة 2014 كفّ حتى عن الادعاء باحترام بديهيات الأنظمة السياسية الحديثة.

الطريقة التى عدِّلت بها الحكومة فى الأيام الأخيرة فرصة للتذكير بأنه لا نجاة لمصر وللمصريين إلا بثورة شاملة فى النظام السياسى وفى طرائق عمله.
إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات