أفريقيا والقوة التى يمتلكها المحور - ايان بريمر - بوابة الشروق
الإثنين 10 مارس 2025 2:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

أفريقيا والقوة التى يمتلكها المحور

نشر فى : السبت 26 مايو 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : السبت 26 مايو 2012 - 8:30 ص

أصبحت دول BRICS (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) معروفة الآن لجميع الناس تقريبا. ولكن هناك مجموعات أقل شهرة كدول CIVETS (كولومبيا وإندونيسيا وفيتنام ومصر وتركيا وجنوب أفريقيا)، ودولMIST (المكسيك وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وتركيا).

 

أصبحت تلك الاختصارات بمثابة علامات تجارية رائجة، ولكن مع كل تقديرنا لمن صاغوها، إلا أنها لا تقدم لنا أى إفادة حول السبب فى اختيار تلك الدول كمجموعات، تكونت لأن من الأفضل بقاءها هكذا. وبينما توجد اختلافات مهمة كثيرة بين أوضاعها، ودرجات قوتها وضعفها، فمن الصعب توقع أن تحتفظ بمسارات متشابهة. إذ سيصعد بعضها، فى حين ربما تفشل أخريات.

 

●●●

 

ومع التقلبات الكثيرة التى توجد بالعالم حاليا، والاضطرابات المحلية الكثيرة التى تواجه الحكومات الغربية، والتى قامت بطبيعة الحال بدور كبير لاحتوائها، ستحتاج كل سوق من الأسواق الناشئة إذا ما اكتملت نشأتها، إلى ما هو أكثر من القدرة. ستحتاج إلى مرونة. وسيقوم هذا على كفاءتها فى توفير عدد كبير من الخيارات لنفسها، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات السياسية والتجارية التى تصنعها.

 

وفى الحقيقة، مع تصاعد أجواء عدم اليقين هذه الأيام فى السياسة الدولية ــ من أزمة الثقة فى أوروبا، إلى النكبات المالية طويلة المدى فى الولايات المتحدة، إلى انتفاضات العالم العربى، إلى تغير القيادات فى الصين ــ أصبحت قدرة البلدان النامية على تجنب الاعتماد، فى تحقيق الأمان والازدهار، على حليف واحد مهمين مسألة أهم من أى وقت خلال العقود الماضية.

 

وقدمت بعض من الدول التى ذكرناها فيما سبق ــ خصوصا البرازيل وتركيا ــ أمثلة رائعة على ما يمكن تسميته دولا محورية، إذ لديها مرونة تمثيل محور وسط شركاء منتظرين. ولكن هناك دول ومناطق أخرى، ستعود عليها الفائدة من قدرة تلك الدول على أن تكون محورا.

 

وينقلنا هذا إلى أفريقيا، القارة التى ترتبط فى التصور الغربى مع الفقر والفساد والصراعات والأمراض. ورغم أن تهافت النمو فى أفريقيا أصبح الأشهر على نطاق العالم ــ إلا إن هذا جزئيا، ربما كان سببا فى تطوير حكومات كثيرة بها لمرونة تتماشى مع القدرة على التمحور.

 

وربما توارد إلى سمعك أن تعداد سكان أفريقيا تجاوز المليون عام 2010، ولكن هل تعرف أنه رغم تماثل تعداد السكان فى أفريقيا والهند، إلا أن الأفارقة أنفقوا على السلع والخدمات فى 2008 أكثر من الهنود بنسبة 35%. وتقترب نسبة الأفارقة الذين يعيشون فى المدن الآن، من النسبة نفسها فى الصين. وعلى نهاية هذا العام، من المتوقع أن يصل عدد خطوط التليفون المحمول فى انحاء القاهرة 735 مليون خط.

 

كما ازداد حجم الاستثمار الاجنبى المباشر فى أفريقيا من 9.4 مليار دولار فى 2000، إلى أكثر 60 مليار دولار فى 2011. وبالإضافة إلى ذلك، رغم ظن الكثيرين أن ثروة أفريقيا تكمن أساسا فى إنتاج النفط والمعادن، إلا أن انتشار التحضر فى أنحاء القارة، وتنامى الطبقات الوسطى فى دول كثيرة، يؤكد أن الاقتصادات الأفريقية التى لا تصدر كميات كبيرة من السلع، نمت تقريبا بنفس سرعة نمو الاستثمار الأجنبى المباشر.

 

وقد نجحت أفريقيا، جزئيا لأن حكومات كثيرة بها لديها قدرة على أن تصبح محورا. ولعقود، كانت دول أفريقية كثيرة مدفوعة إلى الدوران، حصريا فى الغالب، حول صندوق النقد الدولى والبنك الدولى والحكومات الغربية من أجل المعونة والاستثمار، ولا تأتى الأموال غالبا إلا مع مشروطيات ــ مثل الإصلاحات الديمقراطية وتحقيق درجة أكبر من الانفتاح أمام الاستثمار الغربى.

 

ولكن الأمور تغيرت. وخلال العقد الماضى، زادت الصين حجم استثمارها فى أفريقيا بدرجة كبيرة، وعملت الشركات المملوكة للدولة إلى جانب بنك التنمية الصينى، وبنك التصدير والاستيراد الصينى المدعومين من الدولة، لتأمين منافذ الوصول إلى النفط والغاز والمعادن والخامات الطبيعية والأراضى الصالحة للزراعة فى أنحاء القارة. وفى 2010 فقط، توسع التبادل التجارى بين الصين وأفريقيا بنسبة 43%، واستبدلت الصين الولايات المتحدة بأفريقيا كأكبر شريك تجارى.

 

●●●

 

بدت الصين والأسواق الناشئة الأخرى، أسرع من الدول المتقدمة فى إدراك قيمة العلاقات الوثيقة مع أفريقيا. ولهذا السبب، طلبت دول BRIC من جنوب أفريقيا الالتحاق بناديها فى ديسمبر 2010، وهكذا أصبحت دول BRICS، بإضافة الحرف الأول من اسم جنوب افريقيا S. وبالمقاييس التقليدية، لا يستطيع اقتصاد جنوب أفريقيا مجاراة الدول الأخرى من مجموعة BRICS . إذ قدر صندوق النقد الدولى فى 2010 أن اقتصادها لا يبلغ ربع اقتصاد روسيا، وهو الأصغر بين اقتصادات دول  BRIC الأربع الأصلية. ولكن جنوب أفريقيا عضو فى SADC منظمة تنمية بلدان جنوب افريقيا، وهى مجموعة من الدول الناشئة تتضمن انجولا، ثانى أكبر دولة مصدرة للنفط أفريقيا، وبوتسوانا، أكبر منتج للماس فى العالم، وزامبيا، اكبر منتج للنحاس فى القارة، موزمبيق، التى بها احتياطيات هائلة غير مستغلة من الفحم.

 

ولكن المسألة لا تعبر عن انتصار الأسواق الناشئة، أو هزيمة للغرب. ففى الواقع، اكتشفت بلدان فى شرق أفريقيا، مثل كينيا وتانزانيا وموزمبيق وأوغندا، ترسبات من النفط والغاز، وتعمل على تطوير بدائل الطاقة مثل الطاقة المائية، والطاقة الجيوحرارية والطاقة الهوائية، بينما تواصل شركات غربية مثل توتال وستاتويل وإنى وغيرها تحقيق مكاسب على حساب المنافسين الصينيين الأقل فطنة.

 

وبالإضافة إلى ذلك، رغم أن الشركات الصينية تجتذب الحكومات الأفريقية، بتمويل مشروعات بنية تحتية ضخمة، إلا إنها عزلت المجتمعات المحلية بإصرارها على أن تأتى بأكثر المواد الخام المستخدمة فى هذه المشروعات من الصين ــ ويتم بناء تلك الطرق والجسور ومرافق الموانئ والمطارات، على يد عمال صينيين.

 

وأثارت هذه المشكلة بالفعل غضب دول أفريقية عديدة، حيث يحرم العمال الصينيون العمال المحليين من فرص العمل. وليس هناك ما يمنع الشركات المؤسسة فى الغرب من استغلال مواطن الضعف هذه لمنافسة الشركات الصينية بصورة أكثر فاعلية.

 

ولكن، ستكون أفريقيا الفائز الحقيقى فى هذه القضية، حيث أصبح الآن لدى عشرات الحكومات خيارات، وبمقدورها توقع أن تتنافس الشركات متعددة القومية والمملوكة للدولة، من العالم المتقدم والنامى، من أجل الوصول إلى المستهلكين المحليين، وأن تكون شروط الاستثمار لصالحها. إنها القوة التى يمتلكها المحور.

 

 

كل الحقوق محفوظة لشركة النبوبورك تايمز لمبيعات الخدمات الصحفية

ايان بريمر رئيس مجموعة أوراسيا
التعليقات