محمد على خيرمنذ تنحى الرئيس الأسبق مبارك عن الحكم فى فبراير 2011 ، يمكننا القول إن إدارة شئون البلاد كانت بأيدى القوى السياسية وتراجعت الدولة المصرية ومؤسساتها إلى الوراء أو كادت تغيب عن المشهد.
اتسم أداء القوى السياسية المتصارعة أثناء ادارتها للمشهد بدرجة كبيرة من الرعونة وتغليب المصالح الحزبية الضيقة على المصالح العليا للوطن، ويمكننا وصف كثير من تصرفات بعض السياسيين أثناء تلك الفترة بالمراهقة السياسية، ربما يعود ذلك الى أنها المرة الأولى التى يدير هؤلاء المشهد السياسى وكذلك الدولة.
اعتمدت غالبية القوى السياسية ــ إن لم يكن جميعها ــ فى تمرير ما يريدون من قرارات أو قوانين وكذلك الغاء اى قرار أو قانون، على الحشد الجماهيرى فى الشوارع والميادين. وقابل ذلك الحشد المضاد.
منذ 30 يونيو يجوز لنا القول إن الدولة المصرية بدأت تستعيد قدرتها على إدارة المشهد بكل تفاصيله، لذا فإننا هنا لا نندهش من غياب أسماء ساسة كانوا بارزين وملء السمع والبصر خلال السنوات الثلاث الماضية، لكنهم تواروا عن الأنظار منذ 30 يونيو.
علينا ــ أيضا ــ أن نلتفت الى غياب اسماء حركات وتنظيمات سياسية كانت لها الغلبة فى وسائل الإعلام، لكنها أيضا اختفت أو على الأقل لم تعد مثلما كان ظهورها فى السنوات الماضية.
عندما نتحدث هنا عن الدولة المصرية التى بدأت تضع يدها على كل عناصر المشهد اليومى، فإننا نعنى هنا المؤسسات الرئيسية للدولة المصرية والتى تتمثل فى مؤسسة الخارجية والتى يتجاوز عمرها 150 عاما، والمؤسسة العسكرية (205 عاما)، ومؤسسة الرى وعمرها من عمر الدولة المصرية، ومؤسسة الأزهر (1100عاما) ومؤسسة الكنيسة (20 قرنا من الزمان)، وعلى الأطراف ستجد دولاب الدولة البيروقراطى.
إذا قارنت بين أعمار تلك المؤسسات وأعمار التجارب الحزبية ستجد أن الدولة المصرية لا يمكن إدارتها من خلال قوى سياسية فقط وألا يحدث الخلاف والانقسام بل عبر تناغم بين أركان ومؤسسات الدولة المصرية من جهة والقوى السياسية الفاعلة من جهة أخرى، حتى أن نظام مبارك رغم استمراره فى الحكم طوال ثلاثين عاما لكنه كان يفهم هذا المعنى، لذا حرص على تحقيق فكرة التوازن بين أهداف نظامه وأهداف أركان الدولة المصرية ولم يسع لتعيين أنصاره داخل أركان ودواليب الدولة، بل فعل ذلك فى الدولاب السياسى للدولة (إن جاز التعبير) والذى تمثل فى البرلمان بغرفتيه وكذلك الحكومة، لكنه ابتعد عن الصدام مع المؤسسات العميقة للدولة.
إذا انتقلنا لفترة حكم الرئيس السابق محمد مرسى، وعقدنا مقارنة مع فترة حكم مبارك، سنجد أن مرسى حاول هو وجماعته ضرب وتفتيت اركان الدولة التى تجاوز عمر بعضها الألف سنة فكان طبيعيا أن يحدث الانقسام الحاد بين الدولة من جهة ومرسى وجماعته من جهة أخرى، وعندما نزلت الجماهير الغاضبة بالملايين ضد مرسى انضمت مؤسسات الدولة كذلك لتلك الجماهير، هذا أحد تفسيرات ما جرى فى 30 يونيو.
هل يعى النظام القادم طبيعة مكونات الدولة المصرية، إما اصطدام أو تعاون، هل من سيناريو ثالث؟.