شروط حل الدولتين! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:49 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شروط حل الدولتين!

نشر فى : السبت 27 يناير 2024 - 8:00 م | آخر تحديث : السبت 27 يناير 2024 - 8:00 م
لعل أبرز الإنجازات التى تحققت للقضية الفلسطينية بعد ما يقرب من أربعة أشهر من الحرب الإسرائيلية على غزة هو عودة طرح قضية ضرورة إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على موائد السياسة والدبلوماسية العالمية خلال الأسابيع الماضية! فقد بات العالم بساسته وإعلامه ورأيه العام مقتنعا، بأن سياسة الأمر الواقع التى تحاول إسرائيل فرضها منذ فشل مفاوضات أوسلو فى تسعينيات القرن الماضى، لن تجلب إلا المزيد من عدم الاستقرار فى المنطقة، وأن الشعب الفلسطينى مهما طال الأمد سيظل يعمل بقوة وتضحية من أجل الحل العادل لإنشاء دولته المنتظرة منذ أكثر من سبعة عقود من الزمان!
وقد اتضح هذا فى زيادة حدة التوتر التى رصدتها وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية فى العلاقات بين الرئيس الأمريكى بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو خلال الأسابيع الماضية، فعلى الرغم من الدعم الأمريكى الدائم لإسرائيل عسكريا واقتصاديا منذ السابع من أكتوبر، إلا أن العلاقات توترت بحسب المصادر الإسرائيلية والأمريكية بسبب حديث الإدارة الأمريكية مؤخرا عن ضرورة إنهاء الحرب على غزة وبداية الحديث عن أفق جديد للمفاوضات بخصوص الدولة الفلسطينية المستقلة فى إطار ما يعرف بحل الدولتين، وهو الحل الذى تبنته الأمم المتحدة منذ عام ١٩٤٧ ورفضته الدول العربية قبل أن تعود المبادرة العربية وتقبله فى بداية الألفية الثالثة!
ورغم أن الوصول إلى هذا الحل العادل ليس سهلا، إلا أن العقلاء المطلعين على حقيقة الأمور على الأرض، باتوا يفهمون جيدا أنه لا سلام ولا استقرار ولا حقن للدماء بدونه!
من الناحية الإسرائيلية، فبكل تأكيد هذا الحل لن يكون ممكنا لطالما ظل نتنياهو فى السلطة، ولطالما ظلت تحالفات حزب الليكود مع الأحزاب اليمينية شديدة التطرف التى ترفض الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى دولة، بل وتسعى إلى تهجيره خارج أراضيه! بل وأصبح نتنياهو وبشكل لا يخفى على أحد مستعدا لإطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة مهما كانت التكلفة باهظة على دولته وجنودها ومواطنيها ومواطناتها!
أما من الناحية الفلسطينية، فلا يبدو أن حماس يمكن أن يكون الطرف المناسب لمثل هذا التفاوض، وخصوصا بعد أن رفعت الحركة من سقف مطالبها بعد السابع من أكتوبر لتعود للحديث عن «تحرير فلسطين من النهر إلى البحر»، ومع خصوماتها المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبى بعد هذه الهجمات فلا يبدو أن أحدا سيقبل بممثليها بشكل مباشر على مائدة أى تفاوض، إلا أن جميع الأطراف أدركت أن الحركة لا يمكن استبعادها تماما من المعادلة السياسية على الأقل فيما يتعلق بقطاع غزة! كذلك ففى حدود ظنى، فإنه لو تم فتح الطريق لحل الدولتين فإن حماس لن تمانع، لأن السياسة فى النهاية هى فن الممكن فى ضوء توازنات القوة الموجودة على الأرض، وكانت حماس قد عدلت ميثاقها عام ٢٠١٧ للتحدث صراحة عن:
«ومع ذلك ــ وبما لا يعنى إطلاقا الاعتراف بالكيان الصهيونى، ولا التنازل عن أى من الحقوق الفلسطينية – فإن حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التى أخرجوا منها، هى صيغة توافقية وطنية مشتركة».
وكما هو واضح من هذه الصيغة فإن حماس لديها الاستعداد للتفاوض على حدود ١٩٦٧ وهو ما يعنى القبول بالدولة الإسرائيلية، حتى لو جاء هذا القبول اضطراريا.
• • •
قطعا إن التفاوض حول حل الدولتين، يعنى التفاوض ليس فقط على المبدأ، ولكن التفاوض أيضا على حدود الدولتين، وعلى السيطرة على الموارد وخصوصا المياه، وكذلك التفاوض حول الوضع النهائى لقضية القدس، ولقضايا اللاجئين، ولسلاح الدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى قضية المستوطنات الإسرائيلية، والكيفية التى سيتم بها ربط قطاع غزة بالضفة الغربية وغيرها من القضايا الشائكة، التى وبكل تأكيد ستأخذ وقتا أطول فى التفاوض، ولكن لا مفر من فتح الحديث حولها وتقديم بعض التنازلات بشأنها من الجانبين، وهو أمر رغم أنه لا يلقى رواجا شعبيا ولكنه الأكثر قدرة على تحقيق الأمن والاستقرار للشعبين الفلسطينى والإسرائيلى!
لكن وحتى يكون هذا الحل ممكننا، فلا بد من توافر خمسة شروط، بدونها لن يكون من الممكن البدء فى التفاوض:
أولا: لابد أن تتوقف الحرب على غزة، ويتم التوصل إلى وقف إطلاق نار متبادل بشكل دائم بضمانات دولية، مع إنهاء قضية الرهائن والأسرى الإسرائيليين والسجناء الفلسطينيين فى سجون الاحتلال بشكل تام وشامل!
ثانيا: لابد كما تم الإشارة مسبقا إلى اختفاء نتنياهو من المشهد السياسى فى إسرائيل وهو أمر بات ممكنا لأن الرأى العام فى الدولة العبرية بالضرورة منقلب عليه الآن فى ظل الفشل العسكرى المستمر فى المشهد، لكن وحتى يتضاءل حكم الأحزاب اليمينية المتشددة فى إسرائيل من المشهد السياسى ــ وخصوصا فى ظل النظام البرلمانى الإسرائيلى الذى يحتم عادة التحالفات الحزبية لتشكيل الأغلبية داخل البرلمان ــ فلابد من حدوث تحول فى الرأى العام الإسرائيلى بما ينعكس على التصويت فى الانتخابات، وكذلك فلابد من نشاط أكبر للكتلة العربية داخل الكنيست الإسرائيلى والتوقف عن مقاطعة الانتخابات مهما كان الثمن!
ثالثا: لابد من وجود دعم قوى من الولايات المتحدة والتزام رئاسى بحل الدولتين، فمهما كانت الانتقادات العربية للدور الأمريكى فى المنطقة – وهى قطعا انتقادات فى محلها ــ لكن لأسباب استراتيجية، تبقى الولايات المتحدة هى الدولة الوحيدة القادرة على لعب الدور المحورى للضغط على إسرائيل لقبول حل الدولتين، وهو ما يعنى أنه حال فوز ترامب فى الانتخابات الأمريكية التى ستجرى نهاية العام الحالى، فإن حل الدولتين سيتأجل لأربع سنوات قادمة على الأقل.
رابعا: لابد أيضا أن يعى المجتمع الدولى، أن حل الدولتين لن يكون ممكنا دون الدورين المصرى والقطرى، فالبلدان أثبتا خلال شهور الحرب الفائتة أنهما وبشكل حصرى من لديهما القدرة على التأثير على صناع القرار داخل حماس (قطر ومصر)، والسلطة الفلسطينية (مصر)، ومن ثم فلا مجال للتفاوض إلا بدورى القاهرة والدوحة المحوريين، مع ضرورة الأخذ فى الاعتبار أن إعادة بناء السلطة الفلسطينية وتمكينها من القرار السياسى والأمنى الفلسطينى هو أمر لابد منه فى هذا الإطار!
خامسا، وأخيرا، لن يكون حل الدولتين أيضا ممكنا دون أن يحدث تحول حقيقى فى الرأى العام العربى بخصوص التسليم بحقيقة وجود إسرائيل، وهو أمر لابد منه حتى يمكن التفاوض على مبدأ الدولتين، فحالة الانفصام المستمرة فى العالم العربى بين المواقف السياسية والمواقف الشعبية بخصوص وجود الدولة العبرية هو أحد معوقات حل الدولتين، صحيح أن جرائم الحرب الإسرائيلية المستمرة بحق الفلسطينيين والفلسطينيات هى أحد الأسباب القوية لمثل هذه الممانعات الشعبية، ولكن أيضا، خضوع الشارع العربى لخطاب الإسلام السياسى أو لخطاب الممانعة بشكل عام.
***
جاء الوقت لفرض حل الدولتين، والقبول بدولة فلسطينية كاملة السيادة تعيش إلى جانب إسرائيل، وفى تقديرى مهما كانت الصعاب، فيبقى هذا هو الحل العملى الوحيد المتاح على الأجل الطويل!
أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر