تحديات الحكم - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 8:51 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحديات الحكم

نشر فى : الجمعة 27 يوليه 2012 - 11:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 27 يوليه 2012 - 11:45 ص

التحديات التى يواجهها الرئيس المنتخب طبيعية، فلم يكن متوقعا أن يدخل القصر فيجد تمام المعاونة من موظفى الرئاسة، والاستجابة لتوجهاته من مؤسسات الدولة، والترحيب به من الإعلام، والاستسلام من شبكات المصالح التى قام عليها نظام مبارك، والتعامل مع مثل هذه التحديات جزء رئيس من الحكم، ومؤشر مهم على كفاءة الرئيس، ومن ثم فهى لا تصلح ذريعة للتأخر فى الإنجاز، أو ــ لا قدر الله تعالى ــ الإخفاق.

 

ويواجه الرئيس مرسى تحديات تختبر قدراته، أولها: يتعلق بإصلاح مؤسسات الدولة لتصير أكثر قدرة على الوفاء بواجباتها تجاه المواطنين، وهو ما سيواجه بمقاومة شرسة من داخل المؤسسات، وينبغى إنجاح هذا المسعى بإعادة هيكلتها وتطهيرها لا بمجرد إحلال نخبة من أهل الثقة المتعاونين محل غيرهم.

 

وعلى المستوى السياسى أمام الرئيس تحد يتعلق بقدرته على توفير الأمن والحرية جميعا، وهى المعادلة التى طالما خيرنا نظام مبارك وامتداده العسكرى بين طرفيها، ويستلزم النجاح فى هذا التحدى تطوير كفاءة الأجهزة الأمنية مع تغيير الفلسفة التى يقوم عليها عملها، وتفكيك منظومة القمع وشبكات الفساد المنتشرة فى كل الأجهزة الأمنية المدنية والعسكرية.

 

وأمام الرئيس تحد آخر يتعلق بالعدالة الاجتماعية، والتى لا يمكن الوصول إليها بسياسات مشروع النهضة، الذى يرسخ نفوذ رجال الأعمال، ويبنى على السياسات الاقتصادية لجمال مبارك ــ مع درجات أدنى من الفساد ــ على نحو يؤدى لتنامى فجوات الدخل وتركز الثروة فى يد القلة، وتآكل استقلال الدولة عن مصالح هذه الطبقة، وعجزها عن الدفاع عن مصالح الجماعة الوطنية (وهو ما يستحق مناقشة فى مقال مستقل)، وقد ألزم الرئيس نفسه ــ قبل انتخابات الإعادة ــ بأن يراجع برنامجه الانتخابى، وأن يستفيد مما طرحه مرشحون آخرون، وأمامه تحد كبير فى أن يفصل نفسه عن المصالح الاقتصادية للمحيطين به، وأن ينحاز للأضعف ليحقق العدل.

 

ثم أمامه بعد ذلك تحد آخر يتعلق بإدارة الموارد الاقتصادية، وإذا كان التحرر مما فى مشروع النهضة من رؤية اقتصادية سيساهم فى توفير الموارد للدولة (عن طريق سياسات ضريبية مختلفة، والتجاء لوسائل أخرى فى إدارة موارد الدولة)، فإن الرئيس سيكون مطالبا بتحديد أوجه الإنفاق وأولوياته بحيث يشعر المواطن بتحسن فى ظروفه المعيشية، خاصة فى ظل الوعود الانتخابية بإصلاح الخدمات والمنظومتين التعليمية والصحية، وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين.

 

والتحدى الرابع الذى يواجهه مرسى يتعلق بالسياسة الخارجية، وثمة قضايا تفرض نفسها بإلحاح، منها الموقف من القضية الفلسطينية، ومن التطبيع، ومن الخليج وسلاطينه الرافضين للتحرر والمحاربين للثورة المصرية، وقضية منابع النيل، وغيرها، وهذه كلها تحديات دقيقة لا تنفع فيها المواقف المتساهلة التى تتخذها الرئاسة للآن، ولا تصلح فيها المعارك الكلامية المقطوعة عن ساحات العمل والتأثير، فهى تستلزم إرادة حرة تمكن من اتخاذ القرارات التى تحفظ الكرامة والمصلحة المصرية جميعا.

 

وسبيل تجاوز هذه التحديات هو تحقيق استقلال الإرادة الوطنية، عن الخارج أولا، وعن جماعات المصالح فى الداخل ثانيا، بانتهاج سياسات اقتصادية لا تترك الدولة حبيسة عن طبقة رجال الأعمال، وسياسة أمنية تبقى الرئيس والقيادة السياسية فى مرمى غضب المصريين، وسياسة خارجية تحفظ للمصريين مصالحهم وكرامتهم.

 

ونجاح الرئيس فى هذه التحديات مرهون بشروط، أولها أن يدرك ومساعدوه وأنصاره أنه صار حاكما فصار من أول واجباتهم البحث عن النقد للاستفادة منه لا التململ منه، ولا ينفع التذرع بالهجوم المبالغ فيه عليه من بعض الإعلاميين ولا بحداثة عهده بالرئاسة لصم الآذان عن النقد، فالتحديات المطروحة ــ كما سبق ــ طبيعية، ولا يوجد حكم بغيرها أو مثلها، وتأجيل النقد والتقويم نتيجته المباشرة الفشل.

 

ثانى الشروط أن يتمكن الرئيس من الدفة، ليقوى على صناعة السياسات وإصدار القرارات، الأمر الذى يستلزم إقصاء شبكة مصالح دولة مبارك (وعلى رأسها العسكر والسلطة القضائية) عن السياسة وإعادتهم إلى أدوارهم، وتقديم التنازلات فى هذه القضية ــ على النحو الذى بدا فى خطابات الرئيس، وفى قبوله للآن بمشاركة السلطة التنفيذية مع العسكر والقضاء ــ يعنى فتح الأبواب واسعة أمام إخفاقه، وهو ما سيتحمل هو مسئوليته وقتئذ، أما إن خاض هذه المعارك الرامية لاستعادة السلطة للمنتخبين فإن خصومه الديمقراطيين سيخوضونها معه.

 

ويحتاج نجاح الرئيس كذلك لاستقلاله الحقيقى عن جماعة الإخوان، لا بالمفاصلة الفكرية كما ينادى البعض، فهى مستحيلة، وفيها خيانة للناخبين الذين اختاروه لانتمائه لإطار فكرى، وإنما بتكوين مؤسسة رئاسية قوية، فيها الأكفاء من أهل الاختصاص فى المجالات المختلفة، وفيها تمثيل للأطياف السياسية المختلفة، بأدوار محددة وصلاحيات معينة لأفرادها، بحيث تسمو مؤسسة الرئاسة فوق مستوى الشبهات فيما يتعلق بكفاءتها، وبانحيازها لطرف سياسى دون غيره على نحو مخل بقواعد العدالة، وتكون بحق الجهة صاحبة القرار الذى يصدر معبرا عن عموم المصريين لا عن جهات حزبية واجتماعية ضيقة.

 

وأنصار الرئيس من الإخوان إن أرادوا إنجاحه فعليهم مسئوليات تتعلق بتقنين الجماعة، إذ صار الكلام عن أنها لم تنحل ابتداء ــ حتى مع افتراض صحته ــ كلاما خارج التأريخ، فالمطلوب أن تخضع ــ كغيرها من مؤسسات المجتمع المدنى ــ لدرجات مقبولة من رقابة الدولة، تضمن الشفافية والاستقامة المالية وعدم الخروج على القانون من غير أن تسمح بتدخل الدولة فى شئونها، وغياب التقنين يسبب حرجا للرئاسة، التى تجد نفسها مضطرة إما للتغاضى عن خرق للقانون من أكبر تنظيم اجتماعى ــ ومن ثم التغاضى عن خروقات القانون من جهات أخرى أو الكيل بمكيالين وكلا الخيارين يفقدها شرعية ــ أو الدخول فى مواجهة مع الجماعة لتقنين وضعها ـ وهو مستبعد، وحتى فى حالة حدوثه فإنه يضعف الأطراف المواجهة لشبكات مصالح دولة مبارك بتفتتها.

 

وتأجيل هذه القضية لم يعد مقبولا، فالجماعة ليست على الهامش فى المشهد السياسى بحيث يمكن أن يقبل منها بعض التجاوزات، والتذرع بسوء التشريعات المنظمة للمجتمع المدنى مردود من جهتين، أولاهما أن الإخوان ظلوا أصحاب أكثرية برلمانية لأشهر لم يستغلوها فى تغيير هذا القانون، وثانيتها أن الجماعة فى سائر الأمور تقبل ما لا ينبغى قبوله سياسيا بدعوى الالتزام بالقانون، فلا يصح أن تخالف منهجها فى القضية الأهم، والتى تثير المخاوف الأكثر من خصومها، خاصة وأن استمرار هذا الوضع يشل يد مؤسسة الرئاسة فى التعامل مع مؤسسات نظام مبارك الخارجة عن القانون.

 

لا يجوز لوطنى أن يتمنى غير نجاح الرئيس المنتخب، لأن البديل قد يكون قبيحا، ولأن نجاحه ــ الجزئى على الأقل ــ فى مواجهة شبكات نظام مبارك، وفى تحقيق إنجاز يلمسه الناس، هو ما يفتح الباب أمام ديمقراطية حقيقية مستقبلية فى مصر، إذ الفشل سيؤدى لكفر الناس بالديمقراطية، وللردة للحكم العسكرى، غير أن المسئولية الأولى فى هذا النجاح تقع على عاتق الرئيس وفريقه، وعلى الجماعة التى تدعمه، فلو لم تتغير مواقفهم فلن ينفعهم توجيه اللوم لكل من سواهم، لأنهم سيكونون أول من يدفع ثمن الإخفاق.

التعليقات