أحد الباحثين الأمريكيين قابلنى فى واشنطن وسألنى عن أحوال مصر وقبل أن أنطق بكلمة حكى لى ساخرا أنه كان يدرس فى جامعة القاهرة فى الثمانينيات، وسأل أحد الأساتذة عن الوضع السياسى فى مصر فرد الأستاذ بأن مصر فى «مرحلة انتقالية» والتقى الباحث الأمريكى مع نفس الأستاذ بعد أن انضم للحزب الوطنى بعد ذلك بنحو 25 سنة فسأله عن أحوال مصر فقال نفس الإجابة: «مرحلة انتقالية» فعلق الباحث الأمريكى إذن هى «مرهلة انتكالية مستمرة».
وكان سؤال الباحث الأمريكى: هل استمرار الأوضاع على ما هى عليه جزء من توجيهات الرئيس بأن تكون التغييرات شكلية على أن يظل جوهر نظام الحكم على ما هو عليه أم أن هناك قوى تعمل ضد توجيهات الرئيس؟
والحقيقة أننى أعتقد أن هناك نوعا من توزيع الأدوار بين السيد الرئيس والأجهزة العاملة معه؛ فالسيد الرئيس يأمر بكل ما هو حق وخير وجمال وتفعل الحكومة ما تراه (بإذن الرئيس أو فى غفلة منه) ثم ننتهى إلى مقولة رئيس تحرير جريدة حكومية سابق بأن الوزراء والمحافظين «غير قادرين على الارتقاء لفكر الرئيس مبارك!!»
فمثلا أعطى السيد الرئيس توجيهاته بإيجاد قواعد «شفافة» لبيع وشراء أراضى الدولة. ورغما عن أن هذه التوجيهات ومعها الموضوع بجملته قد تأخر نحو 30 سنة لكن الموضوع أصبح مثارا على مائدة العمل الحكومى بحكم المحكمة. وهكذا يساور القلق المتابع للشأن الرئاسى لأن الكثير من تصريحات الرئيس وتوجيهاته تنقلب إلى عكسها عند السادة المسئولين. فمثلا وعد السيد الرئيس بأن تكون انتخابات مجلس الشورى نزيهة، ثم انتهت إلى نتائج لا تفهم إلا فى إطار التزوير الفج، ثم نُسب إلى السيد الرئيس أن الحزب الوطنى قد حقق أهدافه من انتخابات الشورى.
وهو ما لا يبدو بعيدا عن تصريحاته بشأن التخفيف عن كاهل المواطنين ومراعاة محدودى الدخل وتصريحه بأن الدولة لا تتستر على فساد أبدا وأن الدعوة لتغيير الدستور دعوة باطلة وأنه لا مجال للتوريث فى مصر لأنه حدث فى دولة أخرى لها ظروف خاصة. ومع ذلك يبدو سلوك مؤسسات الحكم على النقيض من التصريحات الرئاسية، بما يؤكد أن قواعد الحكم المصرى راسخة فى أن يظل السيد الرئيس «وكأنه» غير مسئول عن أى أخطاء أو تقصير قد ينال من مكانته، وتظل الحكومة ومؤسساتها «وكأنها» تتصرف بدون علم السيد الرئيس. ويكون رد فعل المواطن المصرى «وكأنه» يشتكى الحكومة للرئيس. وتظل حياتنا السياسية و«كأنها» فى حالة «انتكالية» مستمرة.