نظمت مكتبة الإسكندرية حوارية الأسبوع الماضى بعنوان «تحديات النشر.. إشكاليات وحلول» شارك فيها عدد من كبار الناشرين المصريين فى المجالين الحكومى والخاص. وشهدت الحوارية نقاشًا مستفيضا، جادا وصريحا، حول هموم صناعة النشر، والتى تحتاج إلى دعم حقيقى من الدولة فى هذه المرحلة، التى تعانى فيها من تزايد الأعباء عليها، ليس أقلها ارتفاع أسعار الورق ومستلزمات الطباعة.
من بين ثنايا النقاش، يمكن التقاط عدد من القضايا الأساسية أهمها أنه لا يزال هناك طلب على الكتاب المطبوع، ويكفى دلالة اقبال الجماهير، خاصة الشباب، على معرض الكتاب فى دورته الأخيرة رغم ارتفاع أسعار الكتب، والتوقعات المتشائمة التى صدرها بعض الناشرين قبل انعقاد المعرض. والكتاب المطبوع هو أحد مظاهر القوة الناعمة للدولة، وتمددها الثقافى إقليميا وعالميا، وهو تعبير عن تقدم رأس المال البشرى، والقدرة على الابتكار والإبداع، وبالتالى ينبغى دعم الكتاب، سواء باستنهاض الصناعة الوطنية فى مجال الورق، أو تخفيض الجمارك على الورق ومستلزمات الطباعة من الخارج التى تستخدم فى طباعة الكتاب. ليس هذا فحسب، بل ينبغى أيضا على الجانب الآخر حماية الملكية الفكرية إزاء عمليات القرصنة وضرب الكتب حتى إن هناك من يفترش الرصيف فى وسط القاهرة يبيع كتبا مقلدة على بعد أمتار من دور النشر التى أصدرت هذه الكتب! وأبلغ تعبير ذكرته د. فاطمة البودى من أن الدولة تراقب، وتتابع، وترصد الفضاء الإلكترونى، ولا تعوزها القدرة على معرفة من يُقلد الكتب، أو يفتئت على الملكية الفكرية للآخرين.
ومن ناحية أخرى تبدو هناك عقبات فى تسويق الكتاب بعضها يرجع إلى قلة المكتبات العامة، وارتفاع إيجار المحلات التى من الممكن استخدامها مكتبات لبيع الكتب، وعدم اقبال المكتبات الجامعية والمدرسية على شراء الكتب الحديثة من دور النشر، رغم أن فى ذلك تحديثا للمكتبات نفسها، وتنشيطا لقنوات التواصل بين القارئ والمبدع، ونحن فى المجتمع بحاجة إلى ذلك.
هموم النشر لا تنقطع، وهناك مطالب بتعديلات قانونية لم تأخذ طريقها بعد فى أروقة مجلس النواب، وهموم تبحث عمن يتبناها حتى لا يضطر الناشرون إلى إغلاق أبوابهم أو ينقلوا نشاطهم إلى دول أخرى توفر لهم التسهيلات الضرورية لعملهم. ويكفى ما ذكره الدكتور خالد العمرى من أن دور النشر تدبر بالكاد مصروفاتها الشهرية، وأحيانا كثيرة تتعثر فى ذلك، وما دعت إليه أميرة أبو المجد من ضرورة مساعدة الناشرين بمعلومات عن اتجاهات النشر، لمعرفة تفضيلات القارئ، وماذا يريد، وفى أى اتجاه، وهى معلومات متوافرة لدى الجهات الحكومية المعنية، وحسب الدكتور أحمد بهى الدين رئيس هيئة الكتاب: هل دور النشر على استعداد أن تعلن أرقام مبيعاتها من الكتب حتى تكتمل دائرة المعلومات؟
حوارية ثقافية مهمة، شهدت زخما مهما، افتتحها الدكتور أحمد زايد، وأعدها الدكتور محمد سليمان والباحث الشاب محمد غنيمة، نكأت جراحا مهمة، وشملت مناقشات جادة يجب أن تستمر، فمن الواضح أن سوق النشر تعانى، ومعاناتها متعددة الأبعاد، وتحتاج إلى تنظيم من داخلها، وتتطلع إلى مساندة من خارجها، لكنها فى كل الأحوال مجال ضرورى لمستقبل الثقافة فى مصر، وحضورها عربيا وعالميا.