عن تسييس المذابح - نادر بكار - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 10:36 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن تسييس المذابح

نشر فى : الثلاثاء 28 أبريل 2015 - 9:20 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 28 أبريل 2015 - 9:20 ص

إبادة الأبرياء وتشريد العُزّل وذبح المدنيين وتهجير الضعفاء لم يُقره شرع سماوى واحد ولا ترضاه فطرة إنسانية مستقيمة مهما بلغت درجة الخصومة ومهما اشتد داعى العداء.. والإسلام لم يرخص يوما لأمته القتل الهمجى حتى فى لحظات الانتقام من البادئ بالبغى والعدوان، بل أتى ليهذب النزعة الهمجية والسلوك العدوانى الشهوانى الذى تخلق به العرب قبل البعثة قرونا.. ويوم غزو مكة توجست العرب من الفاتح الذى أذاقوه المرار أعواما فما راعهم إلا قوله: (لا تثريب عليكم اليوم).. وقبلها يقول لقادة جيشه الجرار مصححا ومحذرا: (اليوم يوم المرحمة).. صلى الله عليه وسلم.

مقدمة لابد منها فى رأيى لأدفع ما قد يُتوهم من دفاعى عن الأتراك أو عن غيرهم، فواقعنا المرير يشهد على احترافنا ــ شعوبا وإعلاما وأنظمة ــ النظر من زاوية أحادية لا نتزحزح عنها، واحترافنا الحكم بلونين لا ثالث لهما.. أبيض أو أسود!

قضية ما تعرض له المواطنون الأرمن من انتهاكات ــ بغض النظر عن ثبوت الوقائع كلها أم لا ــ كانت ساحة للتبارى السياسى على مدى أكثر من شهر وحمى وطيسها فى الأسبوع الماضى تحديدا بين معسكرين أحدهما ينكر بشدة ويستهجن التعامل الدولى مع مزاعم المذبحة وهو الطرف التركى بالتأكيد، ومعسكر آخر ينضم إليه فى الحقيقة بجوار أصحاب القضية الأصليين كل من لديه مشكلة سياسية مع تركيا بغض النظر عن موضوعية الاتهام من عدمها.

روسيا التى قتل زعماؤها ما يزيد على العشرين مليون إنسان بلا أى مبالغة فقط فى النصف الأول من القرن الماضى، ولا أتكلم هنا عن ضحايا مسلمين ــ رغم أنهم الأغلبية العظمى من هؤلاء ــ لكنى أتحدث عن كل آدمى مزقته روسيا الشيوعية بالرصاص أو دفنته فى ثلوج سيبريا حيا.. غير ما ارتكبته فى أفغانستان والشيشان.. ومئات حالات الاغتصاب الجماعى التى ارتكبها جنودها فى ألمانيا عقب انتصار الحلفاء وغير ذلك الكثير.. روسيا تتحدث اليوم عن مذابح الأرمن، لا بأس.. وماذا عن ما اقترفتموه؟

فرنسا التى ترفض إلى اليوم مجرد الاعتذار عن فترة الاحتلال المخضبة بدماء مليون جزائرى تتحدث عن مذابح تركيا، لا بأس وماذا عن طوابع بريد رسمية صكتها باريس ويمكن رؤية صورها على شبكات الإنترنت اليوم بمنتهى السهولة تظهر الجنود الفرنسيين تارة يعتلون جماجم عشرات البشر فخورين بإنجاز ذبحهم وتارة أخرى يحملون رءوسا اجتثوها من على أكتاف أصحابها وتعلو وجوههم نفس ابتسامة الفخر والزهو!

مذابح الصرب فى البوسنة، مذابح كوسوفا، صبرا وشتيلا، قانا، بحر البقر، دنشواى، دير ياسين، غزة، ملايين قتلوا فى كل أنحاء إفريقيا، أطفال بالآلاف حرقوا بنابالم الأمريكيين فى فيتنام، مليون طفل عراقى قضوا بالحصار ثم الاحتلال الأمريكى جرائم الإيطاليين فى ليبيا وإثيوبيا محاكم التفتيش الإسبانية إبادة الهنود الحمر فى أمريكا.. حاسبوا الأتراك وحاسبوا هؤلاء أيضا!