المهمشون فى انتظار الرغيف العاشر المحشو باللحم - أميمة كمال - بوابة الشروق
الأربعاء 4 ديسمبر 2024 10:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المهمشون فى انتظار الرغيف العاشر المحشو باللحم

نشر فى : الأربعاء 28 مايو 2014 - 6:10 ص | آخر تحديث : الأربعاء 28 مايو 2014 - 6:10 ص

عندما ذهبت فى صحبة زميلى محمد جاد قبل عامين إلى محافظتى الفيوم والمنوفية للبحث عن رد واقعى لسؤال محدد: لماذا اختار أغلبية أهل الفيوم محمد مرسى رئيسا فى انتخابات الرئاسة الماضية. ولماذا كان احمد شفيق هو المرشح الأكثر حصدا لأوراق الناخبين فى الصناديق بالمنوفية؟ كانت أعيننا تبحث عن المهمشين هنا وهناك. والذين أتت إجاباتهم بعيدة عن التفسير المبسط بأن الفيوم تضم أعلى نسبة من الإخوان المسلمين، وأن المنوفية يتركز فيها أنصار الحزب الوطنى الداعمين دوما لنائب مجلس الشعب العتيد كمال الشاذلى.

كيف اختار المهمشون الرئيس فى المرة السابقة؟

الحقيقة التى أتذكرها الآن أن من قابلتهم فى الأزقة، والحوارى، وبالقرب من ترع مسدودة بالمخلفات، وفى الزراعات التى جفت مياهها أن المهمشين فى المحافظتين اختاروا بنفس الطريقة رئيسين مختلفين.

المهمشون على قارعة الطرق فى الفيوم (التى تتراوح نسبة الفقر فيها ما بين 20% إلى 40%) كانوا يقولون بصياغات مختلفة اخترنا مرسى لأننا لا نملك ما نخسره، فلماذا لا نجربه، وحتى لو أعطانا القليل، فهذا مكسب لنا. أما المهمشون المنايفة (نسبة الفقر فى المحافظة تتراوح ما بين 10% و20%) فكانوا يتحصنون فى اختيارهم لأحمد شفيق وراء قناعة بأنه لن يعطيهم خيرا. ولكنه لن يأخذ منهم شيئا، لأنهم لم يعودوا يملكون ما تُخشى خسارته.

وبالطبع هذه المرة لا أعرف كيف اختار المهمشون الرئيس الذى سيأتى إلى قصر الاتحادية؟. ولكنى أتوقع أنهم اختاروه بطريقة مختلفة. فمن المؤكد أن الهوس الإعلامى الذى سبق الانتخابات قد طال البعض منهم ولو عن بعد. وربما أيضا يكون قد أصابهم داء رفع سقف التوقعات، مثلما أصاب غيرهم. ولكن يقينى أنهم لن يرضوا بالفتات.

•••

خلال العامين الماضيين تدهورت أوضاع هؤلاء البشر بدرجة أكثر قسوة من ذى قبل، فضاقت بهم الحياة. ولم يعد الفتات الذى كانوا يرجونه من الرئيس السابق قادرا على أن يحييهم. بل أصبحت مهمة البقاء على قيد الحياة مهمة شاقة، تحتاج أكثر كثيرا مما كانوا يقبلونه من الرئيس فى المرة السابقة.

فهذه الشريحة من المصريين نصيب الواحد منهم من الحياة التى يعيشها باقى المصريين يتراوح فى المتوسط ما بين 7 و11 جنيها فى اليوم. وهؤلاء يمثلون شريحة الـ40% الأقل إنفاقا، ويستهلكون مجتمعين أقل مما تستهلكه شريحة الـ10% الأعلى إنفاقا فى مصر. وهذه الشريحة الأخيرة تستحوذ على (25%) من إجمالى الاستهلاك طبقا لآخر بحث للدخل والإنفاق أصدره جهاز التعبئة والإحصاء قبل عامين.

وتكون الصورة أكثر ظلما بكثير، لو أخذنا فى الاعتبار أن شريحة الـ10% الأعلى إنفاقا تضم جنبا إلى جنب مواطنين يصرف الواحد منهم فى المتوسط شهريا 1222 جنيها، وفى نفس الوقت (طبقا لتصنيف جهاز الإحصاء) تضم مصريين آخرين مصنفين دوليا فى قائمة الأغنى فى العالم مثل عائلات ساويرس، ومنصور، والسويدى والتى تتراوح ثروة الأقل غنى منهم (1.7 مليار دولار)، والأكثر غنى (6.5 مليار دولار). هؤلاء وهؤلاء فى نفس خانة العشرة الأكثر إنفاقا.

وهذا يعنى أنه لو قارنا شريحة المصريين العليا، والتى تضم الـ1% الأعلى إنفاقا فقط، لكانت الصورة شديدة الظلم بالنسبة لهؤلاء الجالسين على قارعة الطريق. ولكن يبدو أن أجهزة الإحصاء تتجنب مخاطر إظهار تلك القسوة الاجتماعية. لذلك فهى تفضل أن تضم شرائح من الطبقة المتوسطة، إلى جانب مليارات مصر فى خانة واحدة، حتى تخفى النصيب الجائر على حق أصحاب الخانات السفلى.

ولن يكون صعبا على أحد توقع ما وصل إليه حال هؤلاء البشر بعد الارتفاعات فى أسعار جميع السلع خلال العامين الماضيين، وعلى رأسها أنبوبة البوتاجاز. والتى تشكل وحدها ما يقارب نصف ما ينفقه هؤلاء الناس على كل أشكال الطاقة. بل لعل من اليسير علينا أن نعرف ماذا سيكون حالهم عندما يأتى عليهم الدور فى توزيع حصة العيش المدعم بنحو خمسة أرغفة للواحد منهم، ليشبعه اليوم كله، طبقا لسياسات الترشيد التى يتبعها وزير التموين، والتى بدأ تطبيقها فى أكثر المحافظات المشهور سكانها بأنهم الأقل استهلاكا للعيش. والذى يجلس على كرسى الوزارة نفسها التى تمنح أصحاب شركات الأسمنت، والأسمدة، والحديد دعما للغاز يجعل سعره يقل بمقدار النصف عن السعر العالمى. بل والبعض منهم لا يسدد ما عليه للحكومة. التى تقف مكتوفة الأيدى أمام تهديد بعض الشركات لها برفع قضايا ضدها إن أصرت على رفع سعر الغاز.

•••

ولكن ما الذى أتى بنا الآن لذكر المهمشين، ونحن على أعتاب الدخول فى مرحلة الاحتفالات بتنصيب الرئيس الجديد، وبتعليق الزينات وإطلاق الزغاريد ابتهاجا بقطع شوط جديد على مسار خارطة الطريق؟.

الحقيقة أن ما استدعى التذكير بهم، هو الخوف من نسيانهم فى غمرة الاحتفالات. خصوصا أن الحكومة قد عقدت العزم على قطع خطوات جادة فى اقتطاع جانب لا بأس به من دعم الطاقة من الموازنة الجديدة التى سيبدأ العمل بها بعد أيام.

الأرقام الرسمية التى أعلن عنها فى غمرة الانتخابات أمس الأول وزير المالية هانى قدرى فى الموازنة الجديدة لعام 2014/2015 التى سيتم تخفيضها من دعم الطاقة هى 40 مليار جنيه. ويتوقع أن يصل مقدار الخفض إلى 82 مليار جنيه فى الموازنة التالية طبقا للموقع الرسمى للوزارة. وهذا معناه على الفور أننا إزاء رفع لأسعار الكهرباء، والبنزين، والسولار بعد أن تم بالفعل رفع أسعار الغاز للمنازل. وبالتالى ليس صعبا على أحد أن يعى أن العبء الأساسى سوف يقع على الشريحة الأضعف. لأنها ستدفع ثمنا غاليا من لحمها الحى للحصول على نفس السلع الغذائية الأساسية. التى كانت بالكاد تتحصل عليها. أو لركوب نفس الميكروباص أو التوك توك المتهالك الذى كانت تستقله.

ليس جديدا بالطبع أن نعرف أن الفقراء ينفقون 49% من استهلاكهم على الطعام والشراب، وينفقون على مطاعم الكشرى والفول والطعمية نسبة أعلى من إجمالى إنفاقهم، بالمقارنة بنسبة ما ينفقه أصحاب الدخول العليا على المطاعم والفنادق. وبالتالى فإن رفع أسعار السلع والخدمات الحتمى الذى سيصاحب قرارات تخفيض الدعم الذى سيشمل النشاط التجارى والصناعى سيعصف بحياة عدد لا بأس به من هؤلاء البشر.

بل والأخطر أنه سيلحق بهم شرائح أخرى كانت تقف متلفحة بالستر بالكاد، ولكن ربما بعد فترة لن تجد ما كانت تتلفح به. لأن موجة رفع الأسعار ستصيب الشرائح المتوسطة. خصوصا أن ما يتسرب عن أسعار الكهرباء الجديدة يشير إلى أن رفع السعر سيبدأ من شرائح الاستهلاك عند 100 كيلو وات. وهؤلاء ينتمون إلى ذوى الاحتياجات الاجتماعية الخاصة الذين يستعينون بالمروحة الواحدة، والتليفزيون الأوحد، واللمبات الموفرة ليس أكثر. وهذه الشرائح الاجتماعية لن تكون غالبا ضمن برنامج الدعم النقدى فى مراحله الأولى. لأنهم فى العرف الحكومى ليسوا فقراء. ببساطة لأن الفقراء الذين ستدعمهم الحكومة هم من يقل دخلهم الشهرى عن 327 جنيها.

وحتى الدعم النقدى الذى تنوى الحكومة تقديمه يصل فى أقصاه للأسرة إلى 450 جنيها، وهذه الأسر يصل عددها فى المتوسط إلى 6.1 فرد، طبقا لجهاز الإحصاء. أى أن الفرد نصيبه من هذا الدعم لن يزيد على جنيهين ونصف الجنيه فى اليوم.

•••

وما يثير العجب أن الحكومة التى لا تعتبر أن من يحصل على أكثر من 327 جنيها فقيرا، هى ذاتها من تعتبر أن الغنى هو فقط من يزيد دخله على مليون جنيه. وعندما قررت أن تجعل هذا الغنى يدفع ضريبة، جعلتها استثنائية، تنتهى بعد 3 سنوات. وأخذت الرأفة طريقها إلى قلبها ففرضت تلك الضريبة على ما يزيد عن المليون الأولى، وليس المليون ذاتها. واستبعدت كل الاقتراحات الخاصة بضريبة الثروة. ورفضت الاقتراب من كل ما يتحقق من أرباح من عمليات البيع والشراء فى البورصة، ومن عوائد التوزيعات على الكوبونات فى سوق المال، وعلى الأرباح التى تتحقق من عمليات الاستحواذ.

وإذا عرفنا أن أحدهم قد حقق ربحا من عملية واحدة استحقت الدولة عليها ربحا، يزيد قدره كثيرا عن إجمالى ما رصدته الحكومة (وهو 5 مليارات جنيه) لتقديمه كدعم نقدى لمليون و20 ألف بنى آدم، لاكتشفنا كم نخسر من رقة قلب الحكومة على هؤلاء الرابحين. وحتى ضريبة الفحم التى سبق أن أعلنت عنها الحكومة، عادت مرة أخرى وأغلقت الحديث حولها.

قبل أن تقيموا الاحتفالات تذكروا أن هؤلاء الذين رضوا فى المرة السابقة بالفتات، لن يكفيهم الأرغفة الخمس، وفى انتظار الرغيف السادس والعاشر المحشو باللحم، ولن يرضوا بالعيش الحاف ثانية.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات