انتشرت فى الأيام الأخيرة صيغ هوليوودية للوضع السورى القائم. فبعد سرديات مجتزأة للتاريخ الحديث السورى، تنتشر فى الأدبيات الغربية صيغ تقسيمية على أسس طائفية فى سوريا المستقبل المتخلص من سطوة الاستبداد. وبعد التركيز على النزاع المسلح القائم وتجاهل الحراك السلمى الموازى، وفى ظل تسليط الضوء على أسلمة النزاع السياسى الذى يشارك فيه سوريون من مشارب دينية وسياسية مختلفة، يبدو أن بعض الأقلام الغربية الباحثة عن الإثارة تنزع الآن إلى الحديث عن إمكانية قيام دولة «علوية» فى الساحل السورى تعتمد على «الزراعة المتطورة والبنية التحتية الحديثة والمرافئ» التى يزعم هؤلاء بأن النظام السورى أسس لها إبان عقود تحسبا.
يبدو أن معلومات «الباحثين» عن الإثارة مصابة بهزال معرفى. ومن دون أن تكون الأرقام الإحصائية دقيقة لكون هذا العلم بعيد عن التداول فى سوريا منذ عقود، فمعروف بأن الساحل ليس متجانس التكوين الطائفى رغم محاولات تغيير تركيبته الديموغرافية. ولا يغلب على مدنه الرئيسية لون معين بل مزيج متنوع. فمدينتى اللاذقية وجبلة لا غلبة فيهما لطائفة محددة. وفى طرطوس تصل نسبة العلويين فيها إلى ستين بالمائة مقابل ثلاثين للسنة وعشرة للمسيحيين. أما الجبال والريف، فهى ذات غالبية علوية تحتوى أيضا على المسيحيين والسنة والإسماعيليين. فأى سيناريو متخيل من قبل «المختصين» سيصطدم بضرورة عملية «تطهير» على الطريقة الصربية، وهذا، فى جميع المفاهيم الحالية محليا وإقليميا ودوليا، ضرب من الوهم.
•••
أما عن الحالة الاقتصادية للمنطقة، فلا مصانع ولا بنى تحتية باستثناء المرافئ المرتبطة حتما بعمق اقتصادى يتجاوز الداخل السورى إلى ما يحيط به. والمشروعان الاقتصاديان الحقيقيان الوحيدان هما معمل أسمنت طرطوس والمحطة الحرارية فى بانياس وقد تمخض عنهما تلوث عالٍ قضى على مساحات هائلة من كروم الزيتون ودفع بآلاف الشباب المزارعين إلى سوق العمل اليدوى ضعيف المردود فى المدن. إضافة إلى أن ثمة قرى فى محافظتى اللاذقية وطرطوس لا تعرف الخدمات الأولية من صرف صحى ومياه شرب. إن هذا الإهمال المتعمد أفضى بالكثيرين للسكن فى عشوائيات دمشق، وتم استغلال بعضهم لتعزيز الآلة الأمنية والعسكرية بعيدا عن البنى المجتمعية والعائلية التى حُطمت عن ترصد بهدف توحيد المرجعية فى أصحاب الرتب وسحبها من ممثلى المجتمع الأهلى التقليدى.
والأهم من هذا وذاك، فقادة الشارع الفكرى/الثورى المعارض ينتمون إلى مختلف مكونات الشعب السورى من دون استثناء الطائفة العلوية التى جرى استغلالها من قبل طائفة نظام (متعددة الطوائف) وليس من قبل نظام الطائفة. إن ما رفضه الأجداد وثاروا عليه بقيادة صالح العلى فى عشرينات القرن المنصرم من مشروع فرنسى لإقامة دولة علوية، لن يقبل به الأحفاد الذين سيشاركون فى بناء وحدة سوريا المستقبل على الرغم من الخيال الواسع لبعض الباحثين عن الإثارة والتشويق وقصص الخيال السياسى الرث.