هل تفعلها كامالا هاريس؟ - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:03 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تفعلها كامالا هاريس؟

نشر فى : الأحد 28 يوليه 2024 - 6:00 م | آخر تحديث : الأحد 28 يوليه 2024 - 6:00 م

 إنه سؤال الساعة فى العالم كله، لا فى الولايات المتحدة وحدها بقدر الدور الذى تلعبه فى أزماته وحروبه.

إثر الصورة الكارثية، التى بدا عليها الرئيس «جو بايدن» فى المناظرة التى جمعته مع غريمه «دونالد ترامب»، كان استبدال الجياد أمرا محتما.

حسمت الأمور سريعا لصالح نائبته «كامالا هاريس».

لم يكن الحزب يحتمل منازعات جديدة على من يخلف «بايدن» والانتخابات تطرق الأبواب، وإلا فإن الهزيمة مؤكدة.

كان اختيارها إجباريا دون رهانات كبرى على قدراتها بالنظر إلى حضورها الباهت فى ظل «بايدن».

المفاجأة الحقيقية أنها أعادت اكتشاف نفسها عندما أخذت تتحرك كرئيسة محتملة لأكبر قوة دولية.

بدت أكثر ثقة فى قدرتها على إلحاق الهزيمة بـ«ترامب»، الذى يمثل هاجسا مقيما بأوساط الحزب الديمقراطى أن يعود مجددا إلى البيت الأبيض.

بدا السؤال مقلقا وملحا: هل بوسعها أن توقف زحفه؟

بأسرع من أى توقع أخذت السمت الرئاسى، وامتطت موجة الرهان الاضطرارى عليها.

تحدثت كمدعية عامة سابقة عن الرئيس السابق كـ«مجرم» ثبتت بحقه اتهامات مخلة بالشرفين الشخصى والسياسى.

كان ذلك بحد ذاته داعيا إلى ضخ الحماس فى حملة ديمقراطية باهتة لوقف صعود «ترامب»، خاصة فى أوساط الشباب والأجيال الجديدة.

بنزعتها اليسارية مثلت نقيضا متماسكا لخيارات وسياسات «ترامب».

بصورة قياسية تدفقت الأموال فى خزينة الحملة الانتخابية فى اليوم الأول لطرح اسمها.

كان دعم «بايدن» داعيا جوهريا فى قطع الطريق أمام الذين حاولوا منازعتها على الترشح باسم الديمقراطيين بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

تبارت رموز الديمقراطيين وقيادات أوروبية ودولية فى الإشادة المفرطة بـ«بايدن» ووصف فترة ولايته بـ«الاستثنائية».

بالمفارقة فإن أغلبهم دعوا، أو تمنوا خروجه من السباق الانتخابى خشية خسارته على خلفية حالته الصحية والإدراكية.

لدواعٍ انتخابية استهدف المديح الزائد الحفاظ على وحدة الحزب أمام دعايات «ترامب»، الذى دأب على وصفه بأنه أسوأ من تولى المنصب الرئاسى قبل أن يلحق السوء نفسه بنائبته «هاريس».

على بعد مائة يوم من الانتخابات الرئاسية الأمريكية فإن كل شىء محتمل ووارد.

لم تعد الانتخابات محسومة لـ«ترامب» سلفا ولا صعود «هاريس» مستبعدا.

حسب استطلاعات الرأى العام الأمريكية فإن نسبة تأييد المرشحة الديمقراطية بين الشباب تصل إلى نحو (60%)، غير أن المعركة الانتخابية سوف تظل مفتوحة بلا حسم ربما حتى إغلاق لجان الاقتراع.

وإذا وفقت فى اختيار نائب رئيس جديد له حضوره وشعبيته فإن ذلك قد يكون من دواعى رفع سقف فرصها بحصد المنصب الرئاسى.

بالحساب العرقى فى بلد متنوع يعانى من وطأة العنصرية فإنها أول سيدة سوداء مرشحة أن تصل إلى الموقع الأول فى النظام السياسى الأمريكى.

وبالحساب التاريخى فإنه من غير المستبعد أن تكون الشخصية السادسة عشرة فى قائمة من صعدوا من ظل الرئيس إلى المكتب البيضاوى.

إذا ما طالعت قائمة نواب الرئيس بعد الحرب العالمية الثانية، الذين صعدوا للموقع الأول، فإنها تضم رئاسات فوق العادة، كـ«هارى ترومان»، و«ليندون جونسون»، و«ريتشارد نيكسون»، و«جيرالد فورد»، و«جورج بوش» الأب.

صعود «هاريس» الصاعق أزعج «ترامب».

فى البداية سخر قائلا إن هزيمتها أسهل من هزيمة «بايدن»، لكنه اكتشف سريعا أنها لن تكون لقمة سائغة.

هكذا عاود سيرته الأولى فى إثارة الشكوك حول كفاءتها والقول إنها يسارية متطرفة سوف تفضى بالولايات المتحدة إلى التهلكة!

دعا إلى مناظرتها لعله ينجح فى وقف ظاهرتها من أن تتمدد وتحسم الانتخابات قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع.

بالمفارقة فإنها تصل إلى الستين من عمرها فى (20) أكتوبر المقبل قبل الانتخابات الرئاسية بأيام قليلة، فيما هو يكون قد تجاوز الثامنة والسبعين.

كأن السحر ينقلب على الساحر، فهو بحكم الزمن مرشح لتكرار سيناريو «بايدن» إذا ما دخل البيت الأبيض مجددا.

إذا انتخبت «هاريس» لن تكون نسخة جديدة من «بايدن».

هناك ما هو ثابت بحكم المصالح والاستراتيجيات شبه الراسخة، وهناك ما هو متغير بحكم طبائع الرئاسات والأولويات التى تتبناها وقدر ما تتمتع به من كفاءة.

«بايدن» و«هاريس» خياران متباينان.

الأول، ابن المؤسسة الأمريكية ويلتزم حقائقها ومصالحها.

الثانية، مدعية عامة سابقة ونائبة مخضرمة، جاءت من أصول أفروآسيوية.

على وجه آخر فإن «ترامب» و«هاريس» خياران متناقضان.

أولهما، يمثل اليمين الشعبوى .. وثانيتهما، تمثل النزوع اليسارى.

لن تمضى «هاريس» على خطى «بايدن» فى الأزمات والحروب التى أدارها.

ستحاول أن تتخفف من نزعته العسكرية المفرطة فى حرب أوكرانيا وغزة دون تعديل فى التوجهات الرئيسية.

تقف، كـ«بايدن»، مع ترسيخ التحالف الغربى ممثلا فى حلف «الناتو» ودعم العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين وحصار روسيا تحت سقف عدم التورط فى صدام عسكرى معها.

لن تمضى كـ«ترامب» فى تسوية سريعة للأزمة الأوكرانية، وقد تحاول عكسه أن تتخفف من درجة التحالف مع رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو».

كان مستلفتا تجنبها المشاركة فى الجلسة الخاصة، التى تحدث فيها «نتنياهو» أمام مجلسى الكونجرس بذريعة التزامها بمؤتمر انتخابى فى الوقت نفسه.

أرادت عن قصد سياسى ألا يجمعها مشهد احتفالى واحد مع «نتنياهو»، أو أن تكون طرفا فى مظاهرة سياسية تدعم سياسته العنصرية، أو أن تسىء إلى صورتها أمام جمهورها الانتخابى فى أوساط الديمقراطيين.

كان ذلك داعيا لهجوم ساخط عليها من جمهوريين استدعوا «نتنياهو» لإحراج «بايدن» بدعوى منع السلاح عنه لإلحاق الهزيمة الكاملة بالمقاومة الفلسطينية.

كانت تلك مغالطة مع الحقائق ومناكفة انتخابية بالوقت نفسه.

بالأرقام، غاب نحو ثلثى الديمقراطيين فى مجلسى الكونجرس عن حضور تلك الجلسة.

بدت الجلسة نفسها استعراضا سياسيا مبتذلا أخذ فيه «نتنياهو» يمتدح بطولات الجيش الإسرائيلى وحرصه على حياة المدنيين مكيلا الاتهامات لخصومه ومعارضيه الأمريكيين خاصة المتظاهرين أمام مبنى «الكابيتول» ضد زيارته.

وصف كل من يعارض حرب الإبادة على غزة بـ«معاداة السامية»، ونالت نفس التهمة من المحكمة الجنائية الدولية، التى تنظر فى استصدار مذكرة توقيف بحقه.

فى وقت لاحق التقى «نتنياهو» بـ«بايدن» و«هاريس» كل على انفراد.

بدت «هاريس» حريصة على التوازن المحسوب بين تأكيد الالتزام التقليدى بأمن إسرائيل وحقها فى الدفاع عن نفسها، وبين الموقف الأخلاقى والسياسى الذى استدعى أن تقول بصراحة لافتة: «لن أصمت على معاناة الفلسطينيين فى غزة».

اختبار غزة يدخل فى صميم السباق الانتخابى الأمريكى، وهذه مسألة تتعلق بمستقبلنا ومصيرنا.