الصراع في السودان.. والانتقالات الفاشلة في العالم العربي - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:44 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصراع في السودان.. والانتقالات الفاشلة في العالم العربي

نشر فى : السبت 29 أبريل 2023 - 8:55 م | آخر تحديث : السبت 29 أبريل 2023 - 8:55 م
فى الخامس عشر من أبريل الحالى، اندلع صراع مسلح بين الجيش السودانى وبين قوات الدعم السريع خلّف العديد من القتلى والجرحى، وأحدث هزة عنيفة للاستقرار الهش فى السودان الشقيق، مما دفع الآلاف لمغادرة البلاد هربا من شبح حرب أهلية محتملة وممتدة لسنوات طويلة فى بلد عرف الكثير من الصراعات والحروب!

فمنذ استقلال السودان عن الاحتلال البريطانى فى ١٩٥٦ عرفت البلاد حربين أهليتين كبيرتين بالإضافة إلى العديد من الصراعات المسلحة التى شهدت معظمها خروقات للمواثيق الدولية، وحقوق الإنسان، وحصدت أرواح ملايين المدنيين والمدنيات، وانتهت بتقسيم البلاد وتدمير بنيته التحتية وإهدار موارده التى كانت من الممكن أن تجعله فى مصاف الدول المتقدمة عربيا وأفريقيا!
فى القرن الحالى فقط، شهد السودان ثلاثة أحداث كبرى اشتملت جميعا على مواجهات مسلحة واحدا تلو الآخر، كان الحدث الأول هو اندلاع الحرب فى دارفور فى ٢٠٠٣ وهو الصراع المستمر حتى الآن والمتهم بسببها الرئيس السابق عمر البشير بارتكاب جرائم حرب وعمليات إبادة جماعية ومطلوب مثوله أمام محكمة العدل الدولية. مازالت هذه الحرب قائمة حتى اللحظة وتسببت فى مقتل نحو ٣٠٠ ألف شخص وشردت ملايين آخرين وسط احتمال أن يستعر هذا الصراع بسبب الأحداث الجارية!

أما الحدث الثانى فقد كان انتهاء الحرب الأهلية السودانية الثانية (١٩٨٣ــ٢٠٠٥)، والتى خلفت بدورها ملايين القتلى والمشردين وانتهت مؤقتا باتفاق تقاسم السلطة والثروة والسيادة الأمنية بين حكومة البشير وبين السلطة السياسية فى الجنوب، ثم انتهت بتقسيم السودان بعد استفتاء سكان السودان الجنوبى فى ٢٠١١!

أما الحدث الثالث فكان اندلاع الثورة السودانية ضد حكم الرئيس عمر البشير (١٩٨٩ــ٢٠١٩) ، والتى بدأت عملية انتقال ديموقراطى فى السودان لم يلبث أن تحول سريعا إلى نزاع على السلطة بين المدنيين والعسكريين، وصل إلى ذروته فى أحداث مجزرة القيادة العامة فى يونيو ٢٠١٩ والذى خلف عشرات القتلى والجرحى، ورغم أن تسليما للسلطة من العسكريين إلى المدنيين كان من المفترض أن يتم هذا العام، إلا أنه فشل وتحولت البلاد إلى ساحة معركة جديدة مع اندلاع الصراع المسلح بين الجيش السودانى بقيادة عبدالفتاح البرهان الذى يرأس أيضا مجلس السيادة السودانى المنوط به الإشراف على المرحلة الانتقالية، وبين قوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول حمدان دقلو المعروف بـ(حميدتى)!

هذا الصراع يطرح تساؤلا بسيطا، هل يمكن إنقاذ عملية الانتقال الديموقراطى فى السودان، أم تدخل البلاد فى صراع حربى/أهلى طويل؟

ليس أمامنا فى محاولة للإجابة على هذا السؤال سوى قراءة تاريخ السودان فى الصراعات الأمنية/السياسية السابقة، مع قراءة مدى قدرة الأطراف الدولية والإقليمية سواء دولا أو منظمات حكومية إقليمية ودولية على فرض اتفاق سلام يحمى البلاد من الانجرار نحو حرب أهلية ثالثة!
• • •

بقراءة الصراعات الثلاثة التى اندلعت فى السودان هذا القرن بالإضافة إلى غيره من الصراعات السابقة والمشار إليها أعلاه، يمكن التوصل إلى أربع سمات مشتركة بينها:

السمة الأولى هى طول فترات الصراعات السابقة والعجز عن التوصل إلى اتفاقات سلام سريعة وملزمة والأهم أن تكون قابلة للتطبيق! ومن ثم فإن خبرات السودان السابقة تقول بأنه متى اندلع صراع فإن بقاءه مشتعلا لفترة طويلة قبل وضع حلول واتفاقيات ملزمة هو الأصل وعدا ذلك كان الاستثناء!

أما السمة الثانية، فهى أنه حتى فى حال التوصل إلى اتفاق، فإن فرص تطبيقه على الأرض وإنهاء الصراع تكون ضئيلة، ففى الأغلب الأعم ينتهى الصراع بشكل منقوص وينهار بعد ذلك أو على الأقل يؤدى إلى حلقة جديدة من الصراعات الأمنية الأخرى!

بينما تتمثل السمة الثالثة فى تغول المؤسسات الأمنية على نظيراتها السياسية فى إدارة المراحل الانتقالية أو التالية للصراع حتى لو بدا على السطح أن قيادة المرحلة تتم بواسطة شخصيات أو قيادات أو مؤسسات مدنية/سياسية!

فيما تتمثل السمة الرابعة والأخيرة لهذه الصراعات بتعارض مصالح الأطراف الوسيطة أو ضعف قدرتها على تغيير المسار، ومن ثم مساهمتها فى تأجيج هذه الصراعات أو على الأقل استمرارها لفترات أطول!

فى مقالة لها بجريدة النيويورك تايمز بعنوان «العنف فى السودان هو جزئيا خطؤنا» نشرت يوم ٢٣ أبريل الحالى، استدعت الباحثة جاكلين بيرنز خبراتها السابقة حينما كانت مساعدة لمبعوث الولايات المتحدة للسلام إلى السودان وجنوب السودان لتؤكد أن خبرات الوساطات الدولية فى الحالة السودانية ربما تفضى إلى إنهاء القتال، ولكنها لم تأتِ أبدا بالسلام! مؤكدة وفقا لخبراتها الميدانية أن وساطات الاتحاد الأفريقى والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة والمدعومة جميعا دبلوماسيا من الولايات المتحدة لم تؤتِ بالخير للمدنيين لأنها كانت تتبع آلية مشاركة السلطة والثروة بين الأطراف المتنازعة، وبالتالى كل ما فعلته أنها أعطت شرعية للأطراف المسلحة بينما لم تأتِ بأى جديد للشارع السودانى، متهمة الأطراف العسكرية والأمنية فى السودان بالبحث عن مصالحها الشخصية دون وجود نية حقيقة لإنهاء معاناة المدنيين!
• • •

الحقيقة أنه بالقياس على تاريخ السودان فى صراعاته المسلحة وأخذا فى الاعتبار الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وضعف القوى المدنية والسياسية السودانية، وعدم احتمال مشاهدة أى تغيير حقيقى فى نمط الوساطات الدولية يمكننا أن نتوقع شكل ومستقبل الصراع الحالى، وهو توقع غير إيجابى بالمرة، فالاحتمال الأكبر أن يستمر الصراع الحالى فى التأجج وصولا إلى حرب أهلية أشمل وأكثر ألما، بينما الاحتمال الأقل هو أن يشهد الصراع تدخلات دولية أو إقليمية ناجحة قد توقفه مؤقتا، ولكن ليس من المتوقع أن تنهى أسبابه! وبالتالى فالسيناريو الأكثر واقعية وترجيحا هو أننا فى كل الأحوال علينا الاعتقاد بأن عملية التحول الديموقراطى التى بدأت فى السودان قبل أربع سنوات فى طريقها للفشل وقد تنتهى ــ إن لم يكن قد انتهت بالفعل ــ بلا تسليم حقيقى للسلطة للجانب المدنى وأن الآمال والجهود الدولية فى الفترة الحالية يجب أن تتركز على حقن المزيد من الدماء!

نهاية مؤلمة للكثير من التوقعات الإيجابية بخصوص مستقبل السودان السياسى، ولكنها نهاية غير مستغربة فى بيئة عربية شهدت جميعا وبلا استثناء حتى فى أكثر الحالات تفاؤلا (تونس مثلا) نهاية حزينة للتحول الديموقراطى ووقوعه فى يد مؤسسات عسكرية وأمنية معادية للديموقراطية، أو فى يد سياسيين شعبويين لا يقلون فى معاداتهم للديموقراطية عن نظرائهم الأمنيين والعسكريين!

سيظل الصراع قائما فى عالمنا العربى طالما لا يتحكم المدنيون المنتخبون فى المشهد، وسنظل أسرى لصراعات أمنية ودينية وأيديولوجية إلى إشعار آخر!
أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر