من حق المصريين أن يخرج عليهم مسئول ببيان واضح وكلام يحترم العقول يشرح لنا ماذا يجرى على أرض سيناء ورفح تحديدا.
من حقنا أن نعرف الحقيقة كاملة فى موضوع تهجير الأسر المسيحية من رفح، ومن وراء هذه الفاجعة الحضارية.. إن حالة غليان تنتاب المجتمع بتأثير هذه الأخبار المزعجة، التى إن صحت تكون مصر كلها وليست سيناء فقط فى مواجهة خطر حقيقى، يتجلى فى هذا الغياب الفادح للدولة عما يجرى هناك.
ويخطئ من يتصور أن عملية إجلاء وتهجير المسيحيين من تلك المنطقة مجرد مسألة طائفية، أو انفراد من قبل مجموعة من المتطرفين بالأشقاء المسيحيين هناك، ذلك أنه من الواضح أننا أمام عملية تهجير للدولة المصرية من على أرض سيناء، لكى تخلو للمسلحين والمغامرين الغامضين.. ومن العبث أن ننظر للأمر من زاوية ضيقة تقول إن جماعات متطرفة تمارس عنفا طائفيا فى بوابة مصر الشرقية، ذلك أن القصة شديدة التعقيد والإلغاز وتعبر بشكل مخيف عن غياب مصر عن سيناء، وتغييب سيناء عن مصر.
ولعل الرسالة القادمة مما يجرى فى رفح والتى تريد هذه الجماعات توصيلها للجميع أن الدولة المصرية غير قادرة على حماية أقباطها فى سيناء، ما يعنى فى نهاية المطاف أن سيناء ليست خاضعة للسيادة المصرية، وعليه فإن الصمت والسكوت أمام هذه الأنباء المأساوية يعنى تسليما من الحكومة بالأمر الواقع الذى يحاوله المتطرفون فرضه.
و إذا رضخت الدولة لعملية تهجير المسيحيين قسريا اليوم، فلن يمر وقت طويل حتى يقوم الذين فعلوها بترحيل مصريين آخرين لا يريدونهم من المنطقة لتخلو لهم فضاء مفتوحا لممارسة العربدة والعبث بالجغرافيا والتاريخ.
وفى لحظة كهذه لابد من أن تخرج علينا السلطة الحاكمة فى مصر بخطاب واضح وقاطع يجيب عن أسئلة الذعر والهلع التى تجتاح المصريين عموما والأقباط بشكل خاص، مع الوضع فى الاعتبار أنه ليس خافيا على أحد أن أطرافا دولية وإقليمية تعبث فى سيناء، كما أن هناك سيناريوهات ومخططات بدأت ملامحها فى الظهور منذ سنوات.
وليس من التجنى أن يُقال إننا ندفع الآن ثمنا باهظا لسياسات الغفلة والوهن التى حكمتنا فى الماضى، غير أن هذا لا يصلح مبررا لحالة الصمت العاجز التى تخيم على مصر الآن.. فما كان سائدا ومفروضا علينا فى مرحلة شديدة الانحطاط يجب ألا يستمر ملازما لنا بحجة تعقد الخارطة السياسية إقليميا ودوليا.
وفى مواجهة هذه السيناريوهات الكابوسية لن تستطيع الحكومة المصرية التعامل مع أزمة سيناء دون ظهير شعبى قوى يساند، ويشارك ويتصدى لاختطاف منطقة غالية وعزيزة من مصر، لكن للمساندة والمشاركة شروطا كثيرة، أولها أن تصارح الدولة شعبها بالحقائق، وتشعره بأنها دولة للجميع وليست لتيار بعينه.