طالعنا موقع «المصرى اليوم» الإخبارى الإلكترونى بتاريخ 10 / 12/ 2015 بهذا الخبر:
وافق مجلس الوزراء، على مشروع قرار رئيس الجمهورية بمشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون التعاقد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975، مع استكمال الإجراءات فى مجلس الدولة وقسم التشريع، إعمالا لما استحدثه قانون الخدمة المدنية من أحكام، وبصفة خاصة فيما يتعلق بالأجور المتغيرة، وتحقيقا لمبدأ المساواة والتماثل بين الأحكام المنظمة لشروط استحقاق المعاش العسكرى والمدنى لفئات المستحقين.
وعلى الرغم من كون الانتخابات البرلمانية قد انتهت ولم تتبق سوى أيام معدودة، وينعقد البرلمان المصرى «صاحب الاختصاص الأصيل للتشريع، إلا أن رئيس الدولة لم يزل على موقفه من إصدار قرارات لها قوة القانون، وبرغم أن جميع المدونات الدستورية تتفق على أن استخدام رئيس السلطة التنفيذية لصلاحية إصدار قرارات بقوانين فى غيبة المجلس التشريعى إنما يكون وفقا لضوابط واشتراطات لازمة، تتلخص فى وجود حالة من الاستعجال، يعبر عنها بشرط الضرورة، هو ما يصدره رئيس الدولة بوصفه الرئيس الأعلى للسلطة التنفيذية فى غيبة المجلس التشريعى، وذلك لمواجهة حالة من حالات الضرورة. إذ أنه من الأمور الطبيعية أن البرلمان «صاحب الاختصاص التشريعى الأصيل» لا ينعقد بصفة دائمة، بل هناك فترات يكون فيها البرلمان معطلا سواء بسبب حله أو وقف جلساته أو إجازاته السنوية. فإذا ما طرأت خلال هذه الفترات حالة تستوجب الإسراع فى إصدار تشريع لمواجهتها، أضحى من الواجب إعطاء رئيس الجمهورية الحق فى إصدار مثل هذه التشريعات على سبيل الاستثناء، مع إخضاع هذه القرارات بقوانين لمراجعة ورقابة مجلس الشعب فور انعقاده.
أو بمعنى إجمالى هى تشريعات تصدر فى ظل ظروف يصعُب تصورها أو أحوال تقتضى الإسراع فى إصدار تشريعات لمجابهة تلك الحالات. وقد اتفق معظم الفقه الدستورى والإدارى على أنه يجب تحقق اشتراطات بعينها حتى تتوافر الظروف الاستثنائية الملجئة إلى الاعتراف للسلطة التنفيذية بحقها فى ممارسة وظيفة التشريع، وقد عبرت عن ذلك المعنى وقيدته المحاكم الإدارية والدستورية فى قول موجز وهو «إن الضرورات تقدر بقدرها».
وبمراجعة ما وافق عليه مجلس الوزراء المنشور فى موقع «المصرى اليوم»، لا يوجد ما يحبذ اللجوء لهذا الأسلوب من التشريع، لأنه بمثابة تشريع فرعى أو استثنائى، خروجا عن المبدأ العام المتمثل فى كون البرلمان هو المختص بذلك، ومن زاوية ثانية فهل هناك ما يمثل ضرورة ملحة لإصدار مثل هذا القانون قبيل انعقاد البرلمان بأيام قليلة؟ وهل هناك فى موضوع هذا القانون ما يدعو إلى الاستعجال فى إصداره؟
***
وبرغم نص الدستور المصرى لسنة 2014 والمعالج لهذا الموضوع فى مادته رقم 156 فى فقرته الثانية بقوله «وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوما من انعقاد المجلس الجديد». ومحاولة البعض من خلال قراءته لهذه الفقرة الترويج لمقولة إن هذه الفقرة تعطى رئيس الدولة سلطة التشريع كاملة فى حالة عدم قيام مجلس النواب، وليس سلطة استثنائية مرتبطة بظروف أو أحوال عاجلة، إلا أن أصحاب هذا الرأى قد غاب عنهم أن تلك المادة كلية تعالج مسألة التشريع الاستثنائى فى حال غياب السلطة التشريعية، وأن الفقرة الأولى من المادة الدستورية سالفة البيان، قد وضعت الاشتراطات الواجب توافرها فى حال إصدار تشريع من رئيس الجمهورية بقولها «إذا حدث فى غير دور انعقاد مجلس النواب ما يوجب الإسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير»، وأعقبت بحرف واو العطف لفقرتها الثانية، وهو ما يؤكد سريان ذات الاشتراطات الواردة بالفقرة الأولى على الفقرة الثانية أيضا، ومن ثم وجوب توافر الضرورة والاستعجال.
وقد رصدت دراسة للكاتب بعنوان «للضرورة أحكام» صدرت عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهى دراسة معنية بموضوع سلطة رئيس الدولة فى إصدار قرارات بقوانين فى غيبة المجلس التشريعى، وقد رصدت هذه الدراسة جميع القرارات بقوانين التى صدرت من رأس السلطة التنفيذية، دونما احتياج ضرورى أو ملح لإصدارها فى غيبة البرلمان.
وقد رصدت هذه الدراسة، أنه قد صدر عن رئيس السلطة التنفيذية فى شأن تعديل قانون التأمينات والمعاشات للقوات المسلحة منذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، سبعة قرارات بقوانين تعالج موضوع ضباط القوات المسلحة وترقياتهم وأمورهم المالية، بداية من المرسوم بقانون رقم 3 لسنة 2011 الصادر بتاريخ 16 فبراير لسنة 2011 بزيادة المعاشات العسكرية وتعديل بعض أحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975، نهاية بما صدر بتاريخ 2 ديسمبر وبالعدد رقم 48 مكرر (ب) من الجريدة الرسمية صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 196 لسنة 2014 بتعديل بعض أحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975.
هذا بخلاف ما صدر من قرارات بقوانين تعالج أمورا أخرى اقتصادية واجتماعية أو جنائية لا تتوافر فيها مبررات الضرورة، التى تدفع برئيس الدولة لاستخدام هذه الصلاحية الدستورية المشروطة. وعلى سبيل المثال بتاريخ 22 أبريل صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 32 لسنة 2014 بتنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة. وكذلك بتاريخ 5 يونيه، صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 48 لسنة 2014 بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998، وأيضا بتاريخ 24 يونيه صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 52 لسنة 2014، بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972، وهذه مجرد أمثلة بسيطة من أعداد هائلة من تشريعات رئيس الدولة.
***
ومن هنا نتساءل عن أوجه الضرورة والاستعجال فى معالجة هذه المسائل غير الملحة، أو المرتبطة بضرورة عن طريق قرارات بقوانين تصدر من رئيس الجمهورية؟
أو ما هى الحاجة المجتمعية إلى وجود برلمان مادام رئيس الجمهورية يتولى سلطة التشريع فى أمور لا ترتبط بالاستعجال، أو الضرورة.
الأمر جد خطير وملتبس على أفهام الكثيرين، وبالتالى تجد الدعوة إلى أن يفعل البرلمان المقبل خلال الأيام المقبلة وظيفته الحقيقية وهى التشريع، وأن يقوم بدور وطنى تجاه المواطنين فى مراجعة كل ما صدر من رئيس الجمهورية فى صورة قرارات بقوانين خلال المدى الزمنى المحدد دستوريا وهو أسبوعين من تاريخ انعقاد المجلس.
المحامى بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية
اقتباس
ما هى الحاجة المجتمعية إلى وجود برلمان مادام رئيس الجمهورية يتولى سلطة التشريع فى أمور لا ترتبط بالاستعجال، أو الضرورة.