دلالات انعقاد «منتدى التعاون العربى ــ الصينى» - قضايا آسيوية - بوابة الشروق
السبت 6 يوليه 2024 9:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دلالات انعقاد «منتدى التعاون العربى ــ الصينى»

نشر فى : الخميس 30 مايو 2024 - 7:45 م | آخر تحديث : الخميس 30 مايو 2024 - 7:48 م

أعلنت وزارة الخارجية الصينية يوم الإثنين الماضى عن «زيارات دولة» سيجريها الرئيس المصرى «عبد الفتاح السيسى»، ونظراؤه الإماراتى الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان»، والتونسى «قيس سعيد»، وملك البحرين «حمد بن عيسى آل خليفة»، إلى الصين، بدءًا من يوم الثامن والعشرين من مايو حتى الأول من يونيو المقبل. وبحسب بيان الخارجية الصينية، سيحضر القادة العرب إلى جانب الرئيس الصينى «شى جين بينج» افتتاح المؤتمر الوزارى العاشر لـ«منتدى التعاون العربى الصينى» الذى ستستضيفه العاصمة بكين يوم 30 مايو، كما ستُعقد مباحثات قمة بين الرئيس الصينى مع رؤساء الدول الأربع لتبادل وجهات النظر بشأن العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

وتعكس مشاركة قادة مصر والإمارات والبحرين وتونس بفعاليات افتتاح المؤتمر الوزارى العاشر وجود رغبة مشتركة فى دفع العلاقات العربية الصينية إلى مرحلة جديدة من التعاون والتضامن، لا سيما فى ظل ما يحيط بالمنطقة العربية من تهديدات متفاقمة ناتجة عن استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

• • •

يعود تأسيس «منتدى التعاون العربى ــ الصينى» إلى يوم 30 يناير عام 2004، حينما أصدرت الصين وجامعة الدول العربية «بيانًا مشتركًا بشأن تأسيس منتدى التعاون بين الصين والدول العربية». وفى يوم 14 سبتمبر من العام نفسه، انعقدت الدورة الأولى للاجتماع الوزارى للمنتدى فى مقر جامعة الدول العربية. وقد اتفقت الرؤية الصينية مع نظيرتها العربية حيال أهمية إنشاء شراكة جديدة بين الصين والدول العربية فى ظل الظروف التاريخية الجديدة، وذلك وفقًا لمجموعة من المبادئ التوجيهية، والتى تتمثل فى: تعزيز العلاقات السياسية على أساس الاحترام المتبادل، وتعزيز التبادلات الاقتصادية الوثيقة بهدف التنمية المشتركة، وتوسيع التبادلات الثقافية القائمة على التعلم المتبادل، وتعزيز التعاون المشترك حول الشئون الدولية سعيًا إلى صون السلام العالمى ودعم التنمية المشتركة.

وفى سبيل تنفيذ هذه المبادئ، يتضمن المنتدى ثلاث آليات تنظيمية رئيسية. يعد الاجتماع الوزارى هو الآلية الأولى الرئيسية، حيث يُعقد ضمن هذه الآلية اجتماع دورى على مستوى وزراء الخارجية والأمين العام لجامعة الدول العربية مرة كل سنتين فى الصين أو فى مقر جامعة الدول العربية أو فى إحدى الدول العربية بالتناوب، ويجرى بحث سبل تعزيز التعاون بين الصين والدول العربية فى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، وتبادل الآراء حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وكذلك القضايا المهمة المطروحة فى اجتماعات الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة. وتختص الآلية الثانية الممثلة فى اجتماع كبار المسئولين بالتحضير للاجتماعات الدورية لوزراء الخارجية، وتنفيذ التوصيات والقرارات الصادرة عن الاجتماعات.

فيما تهتم الآلية الثالثة بإنشاء مجموعة من الآليات الفرعية والمرتبطة بشكل رئيسى بمدى تطور العمل بين الجانبين العربى والصينى ضمن إطار المنتدى. ووصولًا إلى عام 2024، تم إنشاء 17 آلية فرعية فى إطار المنتدى، تتضمن مجالات متعددة، بما فى ذلك السياسة والاقتصاد والتجارة والاستثمار والطاقة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والصحة والإعلام والتواصل الشعبى والفكرى. كما أصدر المنتدى خلال هذه الفترة 85 وثيقة ختامية، وأصبح أداة فعالة فى دفع وتعزيز علاقات الشراكة العربية الصينية.

ونتيجة لذلك، انعكس تطور العمل ضمن المنتدى العربى الصينى على مسار العلاقات بين الجانبين. فخلال عشرين عامًا، تطورت العلاقات الصينية العربية من مستوى «علاقات الشراكة» التى تم إقرارها عام 2004، إلى «علاقات التعاون الاستراتيجى»، والتى تم التوافق عليها خلال الدورة الرابعة للاجتماع الوزارى للمنتدى عام 2010، وصولًا إلى مستوى «علاقات الشراكة الاستراتيجية» والتى أقرها الجانبان خلال الدورة الثامنة للاجتماع الوزارى للمنتدى عام 2018.

• • •

من المُتوقع أن يسيطر مجالات التعاون الاقتصادى وتطورات الحرب فى غزة على مناقشات القادة، سواءً الثنائية، أو تلك المُنعقدة ضمن فعاليات الدورة العاشرة لاجتماع المنتدى الوزارى. وبحسب نائب وزير الخارجية الصينى «دنج لى»، سيرتكز الاهتمام خلال الاجتماعات على تنفيذ توافق القادة، وتوسيع التعاون بين الصين والدول العربية فى مختلف المجالات، مع تسريع بناء مجتمع مصير مشترك صينى ــ عربى، وذلك عبر مناقشة ثم اعتماد ثلاث وثائق رئيسية: «إعلان بكين»، و«البيان المشترك بشأن القضية الفلسطينية»، و«البرنامج التنفيذى لمنتدى التعاون العربى الصينى بين عامى 2024 و2026»؟

وفيما يتعلق بتطورات الحرب فى غزة، فقد تبنت بكين موقفًا مماثلًا إلى حد كبير لمواقف الدول العربية، وهو ما أوضحه «دنج لى» بأن هناك ثلاثة أهداف قصيرة وطويلة المدى تصر عليها الصين دائمًا بخصوص الحرب فى غزة، وهى: على المدى القصير، تطالب الصين بوقف فورى لإطلاق النار وتنفيذ قرار وقف إطلاق النار الذى أقره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلى جانب تخفيف الأزمة الإنسانية، بما فى ذلك ضمان المساعدات الإنسانية، ومعارضة التهجير القسرى للشعب الفلسطينى، والعقاب الجماعى لسكان غزة، علاوة على العمل على منع امتداد تأثير هذا الصراع والحفاظ على السلام والاستقرار فى المنطقة بأكملها.

أما على المدى الطويل، فترى الصين أن حل قضية الشرق الأوسط لن يتحقق إلا باستقلال فلسطين ودولتها. ومن ثم يصبح التنفيذ الحقيقى لـ«حل الدولتين» ومعالجة مخاوف كل الأطراف عبر الوسائل السياسية لتحقيق هدف الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية هو الحل الأساسى لقضية الشرق الأوسط وتحقيق السلام والأمن فى المنطقة.

وأخيرًا، قد تتضمن المناقشات تأييدًا عربيًا لجهود الصين الهادفة إلى الحفاظ على سيادتها وسلامة أراضيها، فضلًا عن تأكيد استمرار الالتزام العربى بمبدأ «الصين الواحدة»، ودعم الموقف الصينى الرافض للتدخل الخارجى فى شئونها الداخلية.

• • •

يعكس الاهتمام الصينى باستمرار زخم التعاون مع الجانب العربى إدراكها أهمية المنطقة العربية داخل خريطة التفاعلات العالمية. هذه الأهمية التى تشكلت فى أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، حين التزمت الدول العربية تبنى نهج الحياد وعدم الاستجابة لمطالبات الجانب الغربى بقيادة الولايات المتحدة بالاصطفاف ضد روسيا، وبالتبعية ضد الصين، رغم التزام الأخيرة بمبدأ الحياد (المتقارب إلى حد كبير مع روسيا).

وفى ظل تنامى المنافسة الأمريكية الصينية، تتضاعف أهمية المنطقة العربية، سواء على مستوى العلاقات الثنائية فى مجالات التجارة، والطاقة، والبنية التحتية، والاستثمار، والتكنولوجيا، أو على مستوى متعدد الأطراف، بما يُمكن الصين من حشد الرؤى والجهود الهادفة إلى تحقيق رؤيتها لنظام عالمى متعدد الأقطاب، بعيدًا عن الهيمنة الغربية المُقيدة لحضور الصين العالمى.

ومع ذلك، لا تزال الخطى الصينية تتسم بالحذر إلى حد كبير. فمنذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، تجددت الدعوات الأمريكية والدولية المطالبة بتدخل الصين كوسيط لإنهاء الصراع، نظرًا لما تملكه من صلات وثيقة مع كل الأطراف. فى المقابل، التزمت بكين بتكرار الدعوة إلى وقف إطلاق النار، والمضى فى محادثات للسلام بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى. وحتى حينما أسفرت الحرب على غزة عن تداعيات إقليمية مرتبطة بتصعيد حوثى فى البحر الأحمر ومواجهة إسرائيلية إيرانية مباشرة، شددت بكين على ضرورة إنهاء الحرب، مع دعوة جميع الأطراف إلى التحلى بالهدوء وضبط النفس لمنع المزيد من التصعيد.

ويمكن تفسير نهج الصين الحذر إزاء الحرب فى غزة تبعًا لمجموعة من الاعتبارات، يتعلق أولها باستمرار قدرتها على تحمل تكلفة الضرر الناجم عن التصعيد، فى مقابل عدم رغبتها تحمل أى تكلفة أمنية كتلك التى تتحملها الولايات المتحدة بالمنطقة. بعبارة أخرى، تفضل بكين أن تستمر واشنطن فى تحمل مهمة الضامن الأمنى للمنطقة، الأمر الذى ينعكس بالإيجاب على مصالح الصين بالمنطقة، ولا سيما التجارية والاستثمارية والأمنية، دون تحمل أى تكاليف إضافية.

فيما يرتبط الاعتبار الثانى برؤيتها الخاصة بتحقيق الانتقال إلى نظام عالمى مناهض للولايات المتحدة، وتُعد الحرب الإسرائيلية على غزة هى أحدث المحفزات نحو تحقيق الانتقال المنشود. وتتفق الصين دول الجنوب العالمى بشأن ما أسفر عنه الدعم الأمريكى لإسرائيل من إطالة أمد الحرب. وبناءً عليه، ترفض الصين كل الدعوات المطالبة بالضغط على إيران لوقف التصعيد، وإنما ترى أن الحل يكمن فى قيام الولايات المتحدة بممارسة نفوذها على إسرائيل لوقف هذه الحرب. واتصالًا بذلك، يسمح الانخراط الأمريكى المتزايد بمنطقة الشرق الأوسط بفرصة أمام بكين لتعزيز وتأمين تموضعها داخل مجالها الحيوى بمنطقة المحيطين الهندى والهادئ.

وبناءً عليه، من غير المتوقع أن يشهد الدور الصينى داخل المنطقة العربية تحولات جوهرية، وذلك طالما ظلت المصالح والخطط الصينية، ولا سيما الاقتصادية التنموية، الحالية والمستقبلية، متطلبة لهذا الدور. ويبقى رؤية ما ستخلص إليه اجتماعات المصالحة الفلسطينية التى تستضيفها بكين من نتائج، ومدى انعكاس ذلك على الدور الصينى إزاء القضية الفلسطينية لقياس مدى التغير أو الثبات بالسياسة الصينية إزاء المنطقة العربية.

 نوران عوضين

المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية

النص الأصلى 

قضايا آسيوية قضايا آسيوية
التعليقات