قبل 30 يونيو 2013، نزل الملايين إلى الشوراع للتعبير عن غضبهم من حكم الإخوان، البعض خرج ليعلن عن رفضه لمحاولات الجماعة أخونة الدولة المصرية، والبعض الآخر قاده القلق على مستقبل الهوية إلى النزول للشوارع، إلا أن الأغلبية نزلت للاحتجاج على عدم قدرة نظام الرئيس الإخوانى محمد مرسى على توفير السلع والخدمات من وقود وكهرباء وغيرها.
نزل بيان القوات المسلحة فى 3ــ7ــ2013 ليعيد بوصلة الأمل إلى مؤشر 25 يناير 2011، وظن الجميع أن الأحوال فى طريقها إلى التحسن التدريجى على كل المستويات وأن مصر وضعت أقدامها على أول طريق الدولة المدنية الديمقراطية القادرة على تحقيق الحد الأدنى من متطلبات وطموح مواطنيها بمختلف فئاتهم.
بعد السنوات الخمس وجدت الأغلبية غير المسيسة التى لم تنشغل بأسئلة الهوية والديمقراطية ومستقبل الدولة، بقدر ما شغلها سؤال قدرة الدولة الجديدة على توفير مقومات الحياة الأساسية، وجدت نفسها تعيد النظر فيما جرى ويجرى، فالخدمات والسلع التى اختفت فى ظل حكم الجماعة توافرت لكن لم يعد بمقدورها دفع مقابلها بعد متوالية رفع الأسعار وانخفاض القيمة الشرائية للجنيه منذ قرار تعويمه وتحرير أسعار الخدمات.
ما هى قدرة المواطن على تحمل تدهور أحواله المعيشية، وهل هو بالفعل متفهم لحكمة القرارات الصعبة التى فرضت عليه خلال السنوات الثلاث الماضية؟ وكيف ستعالج السلطة حالة الإحباط والانكسار التى ضربت عموم الناس؟.
فى مقاله «حدود الصبر على الإصلاح الاقتصادى» المنشور بـ«الشروق» الأحد الماضى تحدث الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسة النابه عما سماه «الثورة الصامتة»، وقال: هذا الصبر قد يطول لو أن المواطنين موقنون أنه فى نهاية المطاف تكون المكافأة على الصبر هى نمو متوازن، وزيادة فى توافر فرص العمل، وتحسن فى مستويات المعيشة للمواطنين، وانكماش حدة الفقر، والنهوض بالخدمات العامة.
أما إذا لم يتحقق ذلك ولم تأت هذه المكافأة، فقد يلجأ الشعب المصرى إلى ما يعرفه جيدا وما لا يتضمن مخاطرة كبيرة، وهو ما يمكن تسميته بالثورة الصامتة «العزوف عن العمل مع التواجد فى مقار العمل، أو اقتضاء ثمن خاص لأداء الوظيفة، أو السعى لاكتساب لقمة العيش بأساليب غير قانونية أو حتى تعدد الاحتجاجات الجماعية فى أماكن متفرقة، وهذا هو النموذج المصرى لثورة صامتة. وقد تنقلب الثورة الصامتة إلى غضب عام»، قال السيد محللا ومحذرا.
بعد الموجة الأخيرة من رفع أسعار الوقود والمياه والمواصلات، تحول الأنين الاجتماعى المكتوم أو «الثورة الصامتة» إلى حالة «ندب عام» فى وسائل المواصلات العامة ومواقع التواصل الاجتماعى.. الكل يسأل «وماذا بعد؟.. وآخرتها!»، ولا تمر مداولة أو نقاش عن الأحوال المعيشية المتردية التى يمر بها الناس دون وصلات انتقاد حادة واستدعاء للماضى القريب الذى خرج الناس للاحتجاج عليه قبل 7 سنوات «ولا يوم من أيامك يا أبو علاء».
حالة الإنكار التى تمارسها السلطة لن تستمر طويلا، فتغييب الإعلام لأوجاع الناس وهمومها وحجب أخبار زيادة الأسعار وتداعياتها عن صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات، لن يخفف من حدة الغليان.
تحصين الدولة من أى هزات أو انفجارات محتملة يفرض على السلطة الاستماع إلى أنين الناس والتعامل مع أوجاعهم، وإعادة النظر فى استكمال ما يسمى بـ«أجندة الإصلاح الاقتصادى»، وفتح للمجالين السياسى والإعلامى بما يعطى جرعة أمل بأن ثمة تغييرا قادما.
لا تدفعوا الشعب إلى اليأس، فاليائس لا يسأل عما يفعل.