أن يقرر أربعة من المنسحبين الخمسة من الجمعية التأسيسية لوضع الدستور العودة إلى المشاركة واستئناف عملهم فى صياغة دستور مصر الجديدة فهذا خبر يستحق الاحتفاء ويبعث على بعض التفاؤل فى ظل هذه المناحة القومية المنصوبة بطول مصر وعرضها.
وأن يعلن كل من الدكتور عبدالجليل مصطفى والدكتور سمير مرقس والدكتور جابر جاد نصار والدكتورة سعاد كامل رزق، وكلهم من التيار المدنى، فى بيان صدر أمس الرجوع عن قرار الانسحاب، والانخراط فى صناعة الدستور فهذه خطوة تعلى المصلحة الوطنية، بعيدا عن هذه المهارشات والمكايدات الصغيرة التى تملأ سماء مصر بالغيوم.
وبالنظر إلى أسماء العائدين فهم مجموعة من المعارضين الأشداء الأوفياء للقضية الوطنية دون مزايدة أو ترخص فى الخلاف أو ابتذال للمواقف.. أما البيان الصادر بشأن العودة فإنه يؤكد مجموعة من القيم المحترمة فى ممارسة العمل السياسى المتجرد من شبق الاحتراب من أجل الاحتراب، وهو الميكروب الذى هاجم الساحة السياسية مؤخرا، وأدى إلى نوع خطير من السيولة فى المواقف التى دفعت بالبعض إلى تسييد نوازع المناوأة والمناكفة، حتى وإن كان ذلك بالتنسيق والتحالف مع أطراف تناصب ثورة 25 يناير العداء الصريح.
وحسب نص البيان «فإن المنسحبين يعودون إلى الجمعية للمشاركة الفعالة فى أعمالها على النحو المشار إليه وعلى قاعدة تأكيد وتفعيل دور الجمعية التأسيسية كوكيل عن الشعب فى إنشاء وإدارة حوار مجتمعى واسع وشفاف يضمن التوافق والمشاركة وليس التغالب والمنازعة لتأكيد احترام التقاليد الدستورية المصرية العريقة وإحاطة جموع الشعب بما يتم التوافق عليه داخل الجمعية ويحتفظون فى ذات الوقت بحقهم فى اتخاذ أى موقف تمليه عليهم ضمائرهم والتطورات اللاحقة سواء داخل الجمعية أو خارجها من أجل هدفهم الثابت فى كتابة دستور يليق بمصر الحرة الأبية بتنوعها الثقافى وتركيبها الحضارى وتجربتها التاريخية لتكون بحق وطنا عادلا ومنجزا ومتقدما ومكتفيا».
ومن الواضح أن هذه العودة لا تعنى أننا بصدد تقديم «شيك على بياض» للجمعية، بل إن وجود هذه الأسماء يوفر قدرا من الشفافية والوضوح فى عمل الجمعية، ويمثل عينا أمينة للمجتمع على ما يجرى داخلها، ومدى استجابة نصوص مواد الدستور لتطلعات وأحلام المصريين فى دستور ما بعد ثورة 25 يناير.
ويبقى على التيار الغالب داخل الجمعية التأسيسية أن يحتفى بهذه العودة بشكل عملى، من خلال الوفاء بما جرى الاتفاق عليه سابقا من السعى إلى تصعيد عدد من الأعضاء الاحتياطيين، بما يجعل التشكيل النهائى مجسدا بحق لحالة التنوع المجتمعى، ومعبرا عن جميع مكونات الأمة المصرية.
ولو تم ذلك، ومع وجود لجنة الخبراء الفنيين المكونة من عشرة من المثقفين والسياسيين من القوى المدنية، تمارس عملها فى المناقشة والصياغة والتصويب، فإننا نكون قد بددنا كثيرا من سحابات الشك والتربص بعملية وضع الدستور.
ومن الآن ستبدأ جوقة التشكيك والترويع فى النهش فى المنسحبين العائدين، واتهامهم ببيع القضية والسقوط فى إغواء الأخونة، إلى آخر هذه اللائحة من فزاعات الابتزاز وقطع الطريق على أية محاولة لتحقيق تقدم على هذا الطريق المزروع بالألغام وقنابل الكلام، الجاد منه والفارغ.