«لا تستطيع أن تستعيد سلطة وشعبية جمال عبدالناصر بسياسات إسماعيل صدقى»، جاءت هذه الكلمات فى ختام الحوار الأخير للكاتب الصحفى الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل رحمه الله، مع عدد من أصدقائه وتلاميذه ومحبيه، الذين تجمعوا بمكتبه على ضفاف نيل الجيزة، للاحتفال بعيد ميلاده الأخير نهاية سبتمبر 2015.
كلمات الأستاذ كانت تشير إلى سياسات النظام الحالى، والتى حسب تقديره تقترب من سياسات وتوجهات إسماعيل صدقى باشا، رئيس وزراء مصر الأسبق، الذى حكم البلاد بالحديد والنار،وانقلب على دستور 1923 وأصدر دستور 1930 وعطل عمل البرلمان وانقض على خصومه وسيطر على الجهاز الإدارى للدولة ليضمن تزوير الانتخابات لصالح حزبه، فضلا عن اعتداءاته المتكررة على الصحافة.
كان الأستاذ من أكبر الداعمين والمؤيدين لترشيح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى وقت كان تشعر فيه النخب المثقفة بأن الدولة المصرية فى خطر، وأن الهزات العنيفة التى تتعرض لها تحتاج إلى رجل مدعوم من مؤسسات القوة.
أطلق هيكل على السيسى قبيل انتخابات رئاسة 2014 وصف مرشح الضرورة، ورأى أن خلفيته العسكرية هى الأنسب لمصر، وقال فى حوار تليفزيونى آنذاك: «إن السيسى قادم من المؤسسة العسكرية التى تعد المؤسسة الوحيدة القادرة على مواجهة المخاطر فى اللحظة الراهنة».
لكن ظنى أن تجربة ما يقرب من عام ونصف من الحكم كانت كافية لأن يراجع الأستاذ موقفه، فالمقارنة بين مشروعى صدقى وعبدالناصر كانت لها دلالتها.
هيكل وجه رسالته الأخيرة بأن السيسى لن يستطيع أن يملك ما كان لناصر من سلطة مستندة على شعبية حقيقية صنعتها قرارت وتوجهات منحازة للشعب، بسياسات صدقى باشا المهادية لغالبية التوجهات الشعبية.. التعبير لخص كيف كان ينظر الأستاذ إلى تجربة الرئيس الجديد.
فى نفس الجلسة وبعد أن سرد الدكتور حسام عيسى، نائب رئيس الوزراء الأسبق، غيض من فيض الفساد الذى فوجئ به فى وزراة التعليم العالى التى كان وزيرًا لها، قال الأستاذ إن السيسى مصدوم من المشكلات والتحديات التى تواجهه وشعر بالمرارة بعد اطلاعه عليها، «كان عنده تصورات حالمة، لكنه لم يكن يعرف طبيعة الملفات، ويجب أن يتجاوز تلك الصدمة».
هيكل حذر من عواقب تفكيك الجبهة الداخلية: «لو استمر التفكك فى الجبهة الداخلية فمصر مقبلة على كارثة»، مؤكدًا أن الدولة تحتاج إلى إعادة النظر فى أولوياتها فى هذه اللحظة.
كلمات الأستاذ فى تلك الجلسة كانت كافية لكى نستنتج أنه غير راضٍ عما يحدث، فغياب الرؤية والمشروع كان يقلق رفيق عبدالناصر على مستقبل مصر «الأزمة غياب منهج للتفكير، كما أننا نعانى من أزمة كفاءة، والعثور على نقطة بداية أمر فى منتهى الصعوبة.. نحتاج إلى عقول ترصد التطورات التى جرت فى الداخل والخارج، حتى نعرف من أين نبدأ».
رحل هيكل بعد هذا الحوار بنحو 4 شهور، فى هذا التوقيت لم تكن ديون مصر الخارجية تجاوزت الـ 50 مليار دولار بعد، وسعر الدولار الرسمى لم يتخط حدود الـ9 جنيهات، لا أعلم لو أمد الله فى عمره وعاش حتى يرى الدين الخارجى وهو يقترب من 80 مليار والداخلى يقترب من 3 تريليون جنيه، والدولار وصل إلى 17.6 رسميًا، ماذا كان سيقول؟