دعوة إلى ثورة فى مجال التربية - قضايا مجتمعية - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دعوة إلى ثورة فى مجال التربية

نشر فى : الأحد 30 أكتوبر 2016 - 10:20 م | آخر تحديث : الأحد 30 أكتوبر 2016 - 10:20 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا لـ«خالد صلاح» المتخصص بأصول التربية حول سياسات التعليم فى الوطن العربى، وما تتطلبه من إصلاحات ودور الخطاب التربوى فى ذلك وأهمية تحليله من حيث طبيعته وأبعاده والأزمات، التى يواجهها وأسباب هذه الأزمات.
يستهل الكاتب المقال بأن قراءة واقع التعليم وسياساته فى الوطن العربى تقتضى تحليل الخطاب التربوى المتحكم بهذا الواقع والمنتج لتلك السياسات. ويتحقق تحليل الخطاب من خلال الانفتاح على مستوياته المعرفية والفلسفية واللغوية والسيمائية كافة، فضلا عن إطاره السوسيوثقافى والجيوسياسى، لأن تحليل الخطاب يعكس واقع المجتمع العربى وبنيته الحضارية والسياسية وإفرازاتها على مستويات البناء المؤسسى والثقافى فى مجالات العمل السياسى والعمل التعليمى.
للخطاب التربوى رؤية فلسفية وأبعاد، كما أن له طبيعة مرجعية يمكن تحديدها بصورة مباشرة أو تأويلية، ومن ثم فإن لكل خطاب تربوى فلسفة وإيديولوجية تحدد أولوياته وموضوعاته وقوته، وتفاضل بين مفردات اللغة التعبيرية التى تنتج شكل الخطاب وتوحى بمضمونه أيضا. ويجمع الباحثون على أن الخطاب التربوى يقسم، من حيث طبيعته وتوجهاته المجتمعية والسياسية والأيديولوجية إلى:
الخطاب الرسمى: وهو خطاب يسعى إلى تحقيق الإجماع الوطنى والوحدة القومية حول النظام السياسى وتوجهاته الفكرية والاجتماعية، ويهدف إلى تكوين الأفراد مهنيا، بحيث يوفر للوطن ما يحتاج إليه من أيد عاملة وكوادر، وهو فى الغالب يتصف بالتفاؤلية والإصلاحية.
الخطاب التربوى النقدى: وهو الخطاب النقيض للخطاب الرسمى، ويقوم على نقد المؤسسة، وانتقاد ما هو سائد، وهو ضد النموذج الرسمى للخطاب التربوى، والغاية منه التغيير الثورى، والعمل على بناء مجتمع مثالى خال من الهيمنة الطبقية والإيديولوجية.
الخطاب الإنسانى المتجدد والوظيفى: وهو يتسم بالدقة والفاعلية، وينطلق من الطالب ومن الحياة ومن تربية إجمالية وجمالية، ويهدف إلى التفتح والتعاون والديمقراطية والتأثير فى السياق الاجتماعى والثقافى، والعمل على خلق تعليم يقود التنمية، ويوفر أسس حياة تقوم على مفاهيم الحريات وحقوق الإنسان.
***
ينتقل «صلاح» إلى واقع الخطاب التربوى والذى ينقسم إلى خطابيْن تربوييْن يهيمنان فى الساحة الفكرية التربوية يتمثلان فى:
• الخطاب التقليدى السائد: والذى يعلى من شأن الأوضاع التربوية القائمة، حيث يقوم عدد كبير من التربويين العرب بتقديم أنظمتهم التربوية على أنها الأفضل عالميا والأجود عربيا. ويأتى ذلك بتأثير عدد من المتغيرات الاجتماعية والفكرية والسياسية. ويشكل هذا الاتجاه أحد أخطر عوامل الأزمة الحضارية والتربوية فى العالم العربى وأشدها فتكا وتدميرا، انطلاقا من كونه جبهة رفض التوجهات النقدية والعقلانية للتربية العربية.
• الخطاب التربوى ذو الطابع النقدى: ويمثل هذا الاتجاه طليعة من المفكرين الذين تناولوا التربية العربية من منظور نقدى. وتتمثل أزمة الفكر النقدى التربوى فى نمط من الشعارات التى لم تتغير والمقولات التى لم تتبدل على مر الزمن. وهذه الأزمة تشكل المهاد الحقيقى لأزمة ثقافية تربوية تتمثل فى عقلية تقليدية مضادة للتجديد والتطوير، كما تتمثل فى تغييب كبير لكل مقومات الفكر النقدى والفلسفى والانكفاء على منظومة من الرؤى والمقولات المتقادمة تاريخيا.

وفيما يتعلق بمظاهر أزمة الخطاب التربوى تتضمن ما يلى:
• عجز الخطاب التربوى والنظم التعليمية العربية عن مجابهة المشكلات الكبرى التى يعانى منها الواقع العربى، وعجزه عن الانخراط فى قراءة الواقع الاجتماعى والحضارى لصياغة خطاب فكرى تساؤلى نوعى يسهم فى تغيير هذا الواقع طبقا لرؤية علمية.
• عجز النظام التربوى عن التأسيس لثقافة تسهم فى الديمقراطية الحقيقية للمجتمع العربى، وفى تكريس مبادئ التكافؤ الشامل فى الفرص التعليمية والاجتماعية
• انفصال مضامين التربية وغاياتها وتوجهات التعليم وكيفياته عن الأوضاع الثقافية والاجتماعية، والعمل على تسييد مفاهيم تعليمية وتوجهات تربوية سلطوية المضمون غيبية الشكل.
• التركيز على المعرفة التقنية وتأهيل الكوادر البشرية، وذلك بسبب الهيمنة التكنولوجية على الثقافة المعولمة، والإهمال المتعمد لقضايا الإنسان والمجتمع.
• ابتعاد المدرسة عن المجتمع، وتقلص دورها كمؤسسة فاعلة فيه تهدف إلى تفعيل الحراك الاجتماعى.
• واقع المدرسة العربية حيث تقدم المعارف بشكل منفصل ومتباعد، وانفصال المعارف المدرسية عن واقع الثقافة المجتمعية.
• عدم إسهام الفعل المدرسى ومخرجاته فى تحديث قطاعات العمل والتنمية ولا فى تغذية الطاقات الإنتاجية والاقتصادية والثقافية وتنميتها، وانفصال مخرجات النظام التعليمى العربى عن واقع احتياجات المجتمع.

أسباب أزمة الخطاب التربوى:
إن أحد أبرز أزمات الخطاب التربوى تتمثل فى غياب المشروع المجتمعى الواضح. فثمة ضبابية فى الرؤى والغايات، ما أبقى العمل التربوى رهين الجدل وعشرات الرؤى التى تشير إلى خلل فكرى فى قضايا مثل: ما نوع التنمية المطلوبة؟ ما طبيعتها وحدودها؟ أهى نخبوية أم شعبية أم بشرية أم مستدامة؟ وهناك أيضا إشكاليات أخرى مثل إشكالية الديمقراطية، التى تدلل على الاختلاف المنهجى والاختلاف فى المرجعيات، والأسس الكبرى.
والسؤال الذى يطرح نفسه: هل الأزمة الراهنة هى مجرد خلل وظيفى طارئ يمكن تجاوزه وإصلاحه من خلال بعض التغييرات والإصلاحات، أم أنها مجموعة من العوائق والعراقيل والمشكلات البنيوية التى تأصلت فى بنية النظام التربوى نفسه ما يتطلب إجراء تغييرات عميقة وبنيوية أم أنها أعمق وأبعد من ذلك، حيث يمكن وصفها بأنها أزمة متعددة العوامل وتتسم بالتشابك العلاقاتى المركب؟
***
يختتم الكاتب بأن الإصلاح التربوى الفعال والقادر على تجاوز ما يسمى أزمة التعليم فى المجتمعات العربية هو ذلك الإصلاح الراديكالى الذى يقوم على تضافر كل الجهود الوطنية فى استغلال كل المصادر التربوية المتاحة فى المجتمع وكل الأنماط والوسائل التعليمية الممكن استغلالها استغلالا فعالا لتحقيق التنمية القومية الشاملة. والإصلاح التربوى بهذا المعنى هو بالأحرى مسألة نضال سياسى واجتماعى تقوم به الجماهير الواعية فى إطار حركة تغيير شامل. من هذا المنطلق فإننا لا نحتاج إلى تطوير أو إصلاح أو ترقيع، بل نحتاج إلى تغيير جذرى (تثوير) تربوى حقيقى، وإلى هدم أركان النظام التربوى القائم وإعادة بنائه على أسس حضارية إنسانية جديدة تتجاوب مع تطلعات المجتمع وطموحاته الكبرى فى عالم لا يعرف غير التقدم والتطور والحداثة والثورة. إننا فى عالم يمتلئ بالثورات فى مختلف الميادين (ثورة الميديا والجينات وثورة المعرفة والثورة الرقمية…). وتتطلب هذه الثورات المعرفية اليوم، وأكثر من أى وقت مضى، ثورة فى مجال التربية والمعرفة، ثورة إبيستمولوجية تحطم كل عوامل الجمود والانغلاق والعبثية والصراعات الإيديولوجية من أجل بناء مجتمع حضارى متقدم ينطلق على مسارات تربوية بعيدة المدى.

النص الأصلى

قضايا مجتمعية قضايا مجتمعية
التعليقات