المجلس الأعلى للقوات المسلحة صاحب سلطة الأمر الواقع بحكم «التخلى والتكليف» الذى قاله مبارك ثم الإعلان الدستورى الذى جعل المجلس الأعلى جهة اختصاص بممارسة سلطتى التشريع بديلا مؤقتا عن مجلس الشعب والتنفيذ بديلا مؤقتا عن رئيس الجمهورية.
من كل ما سبق، نستنتج أنه سلطة مؤقتة مشروطة بالالتزام بمهام الوكالة عن الفاعل الأصلى الغائب وهو مجلس الشعب إلى حين ينتخب (وقد انتخب) ورئيس الجمهورية إلى حين ينتخب.
هناك مجلس آخر نشأ بقرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبقانون خاص وهو «المجلس الاستشارى» الذى يفترض فيه أنه يساعد المجلس الأعلى لتشكيل رؤيته السياسية من خلال المشورة والرأى. المجلس الاستشارى يملك أن يكون أكثر تواصلا مع القوى السياسية الفاعلة على الأرض بما يساعد المجلس الأعلى على ترشيد قراراته.
هناك مجلس ثالث منتخب ليكون ضمير الأمة ويترجم إرادتها العامة إلى قوانين تحكم البلاد والعباد وهو مجلس الشعب. ويواجه هذا المجلس الآن تحديا استثنائيا وهو أن يقوم بدور من اثنين: المرجح أو الوسيط بين القوى السياسية المختلفة.
استعراض المجالس الثلاثة السابقة له هدفان: أولا نحن لدينا ما يكفى من بنية مؤسسية حالية للتعامل مع المطالب السياسية المختلفة. ثانيا هذه المجالس إن لم تأخذ المبادرة واكتفت بأن تلعب دور «رد الفعل» فقد فقدت الجزء الأكبر من فعاليتها ومن ثم مبرر وجودها.
هناك قضية مطروحة بشدة على ساحة العمل العام وهى قضية أيهما أسبق: الدستور أم الرئيس. وبالعودة إلى نتيجة استفتاء مارس 2011 فلا شك عندى أن انتخاب الرئيس ينبغى أن يسبق وضع الدستور، وهو ما تنادى به الطليعة الثورية منذ فترة وعبرت عنه بوضوح فى الذكرى السنوية الأولى للثورة. وهذا سيعطى فرصة أكبر للجمعية التأسيسية كى تصوغ الدستور من خلال آليات استطلاع وجهات نظر قطاعات جماهيرية أوسع، لأنها لن تكون مضطرة للانتهاء من الدستور قبل انتخاب الرئيس فى يونيو القادم.
وبالعودة إلى معظم تقاليد النظم الدستورية المستقرة فإن وجود رئيس فى موقع السلطة بلا دستور يحكمه هو «رهان على مجهول» لأننا ابتداء لا نعرف من هو الرئيس القادم ولا يوجد إطار ضابط لعلاقته بالفاعل الجديد الذى يقوم بمهام «سلطة الأمر الواقع» وهو المجلس الأعلى للقوات المسلحة سواء اتفقا أو اختلفا. وطبعا هذه المعضلة هى جزء من «لخبطة» إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة باستفتاء الناس على تعديلات دستور 1971 ثم استحداث إعلان دستورى لن يكون كافيا لضبط صلاحيات وسلطات الرئيس الجديد.
وهناك الاقتراح القائل بانتخاب رئيس مؤقت عن طريق مجلس الشعب لحين الانتهاء من كتابة الدستور وهو ما سيعد اقتراحا جديرا بالنقاش بالفعل وإن كانت الصعوبة هو فى أنه يتطلب دعما من من أى من المجالس الثلاثة.
لو كان لى من اقتراح للمجلس الاستشارى باقتراح أن يتم انتخاب الرئيس أولا من خلال إعلان دستورى يعيد فيه العمل بالصلاحيات والالتزامات الرئاسية الموجودة فى دستور 1971 لحين الانتهاء من كتابة الدستور الجديد خلال ستة أشهر من تاريخ تشكيل الجمعية التأسيسية، وفقا للاستفتاء. وما أتمناه من المجلس الأعلى أن يساعد الوطن، دولة وجيشا، بأن يعود إلى ثكناته فى أسرع وقت ممكن عبر انتخابات سريعة للرئيس.
أما مجلس الشعب، فلن يستطيع أن يقف صامتا من كل هذه الأحداث. ولكن عليه أن ينتقى توقيتا يدخله فى هذه المسألة بعد استنفاد كافة البدائل الأخرى.